قلت:(كأَيِّن) : أصله: أيْ، دخلت الكاف عليها وصارت بمعنى (كم) ، وأثبت التنوين نوناً على غير قياس، وقرأ ابن كثير:(وكائن) ، على وزن فاعل، ووجهه: أنه قلب الياء قبل الهمزة فصار: كيَاءٍ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فصار كائن، وهما لغتان، وقد جمع الشاعر بينهما في بيت، فقال:
و (الرِبِّيون) : جمع رُبَّة، أي: الفرقة. أي: معه جموع كثيرة، وقيل: العلماء الأتقياء، وقيل: الولاة، وهو: إما مبتدأ فيوقف على (قُتل) ، أو نائب فاعل (قُتل) ، أو فاعل على من قرأ بالبناء له، و (كثير) : نعت له، كقوله:
وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ لأن فعيلاً يخبر به عن المفرد والجمع.
يقول الحق جلّ جلاله: وَكَأَيِّنْ وكم مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ في المعركة ومعه جموع كثيرة، أو ربانيون علماء أتقياء، فلم يفشلوا ولم يضعفوا، بل ثبتوا على دينهم وجهاد عدوهم، أو يقول: كثير من الأنبياء قتل معهم ربانيون كثير، أي: ماتوا في الحرب فثبت الباقون، ولم يفتروا ولم يضعفوا عن عدوهم، ويترجح الأول بما صرَخَ به الصارخ يوم أحد: إن محمدا قد مات، فضرب لهم المثل بقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ، ويترجح الثاني بأنه لم يقتل نبيّ قط في المحاربة.
أو: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ أي: جاهد معه رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، وبعد ما قتل نبيهم أو جموعهم فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: فما فتروا، ولم ينكسر جندهم لأجل ما أصابهم من قتل نبيهم أو بعضهم، وَما ضَعُفُوا عن جهاد عدوهم ولا عن دينهم، وَمَا اسْتَكانُوا أي: خضعوا لعدوهم، من السكون لأن الخاضع يسكن لعدوه يفعل به ما يريد، فالألف إشباع زائد، أي: فما سكنوا لعدوهم بل صبروا له، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ فينصرهم ويعزهم ويُعظم قدرهم.
وَما كانَ قَوْلَهُمْ عند قتل نبيهم مع ثباتهم على دينه، إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا الصغائر، وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا أي: ما تجاوزنا به الحد في أمر ذنوبنا، كالكبائر، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا في مداحض الحرب لئلا ننهزم، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ من أعدائنا، فَهلاَّ فعلتم مثلهم، وقلتم ذلك يا أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم.
فَآتاهُمُ اللَّهُ في ثواب الاستغفار واللجوء إلى الله ثَوابَ الدُّنْيا وهو النصر والغنيمة والعز وحسن الذكر، وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وهو النعيم الذي لا يفنى ولا يبيد، وخص ثواب الآخرة بالحسن إشعاراً بفضله، وأنه المعتد به عنده، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الثابتين على دينهم، لأنهم أحسنوا فيما بينهم وبين ربهم بحفظ دينه، فأحبهم الله وقربهم إلى حضرته.