للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَزادَهُمْ ذلك إِيماناً ويقيناً وتثبيتاً في الدين، وهذا يدل على أن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بحسب التوجه إلى الله والتفرغ مما سواه، وينقص بحسب التوجه إلى الدنيا وشغبها، ويزيد أيضاً بالطاعة والنظر والاعتبار، وينقص بالمعصية والغفلة والاغترار.

ولما قال لهم الركب ذلك ليخوفهم، قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ أي: كافينا الله وحده، فلا نخاف غيره، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ أي: نعم من يتوكل عليه العبد، وهي كلمة يدفع بها ما يخاف ويكره، وهي الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار، فَانْقَلَبُوا راجعين من حمراء الأسد، متلبسين بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وهي العافية والسلامة، وَفَضْلٍ وهي زيادة الإيمان وشدة الإيقان، لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ من جراحة وكيد عدو، وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ، الذي هو مناط الفوز بخير الدارين، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ فقد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان، والتوفيق إلى المبادرة إلى الجهاد مع الرسول صلّى الله عليه وسلم الذي هو موجب الرضوان.

ثم حذَّرهم الحق تعالى ممن ثبّطهم عن اللحوق بالكفار، وهو ركب عبد القيس، تشبيهاً لهم بالشيطان، فقال:

إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يخوفكم أولياءه من المشركين، أو يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ القاعدين من المنافقين، فَلا تَخافُوهُمْ فإن أمرهم بيدي، وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله على خوف الناس.

التفسير الثاني: أن يكون الكلام على غزوة بدر الصغرى: وذلك أن أبا سفيان لما انصرف من أُحد نادى:

يا محمد، موعدنا بدرٌ لقابل، إن شئت، فقال صلّى الله عليه وسلم: «إن شاء الله تعالى» ، فلما كان العام القابل، خرج أبو سفيان فى أهل مكة، حتى نزل مرّ الظهران، فأنزل الله الرعب في قلبه، وبدا له أن يرجع، فلقي نُعيم بن مسعود الأشجعي معتمراً، فقال له: ائت المدينة وأعلمهم أنّا في جمع كثير، وثبطهم عن الخروج، ولك عندي عشر من الإبل، فأتى المدينة فأخبرهم، فكره أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم الخروج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرجَنّ، ولو وَحْدِي» .

فرجع الجَبان وتأهب الشجعان، فخرجوا حتى أتوا بدراً الصغرى، ورجع أبو سفيان إلى مكة، فسموا جيش السويق، ووافق المسلمون السوق ببدر، وكانت معهم تجارات، فباعوا وربحوا، وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة «١» .

فعلى هذا، يقول الحق جلّ جلاله: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، يعني: في غزوة بدر الصغرى، لميعاد أبي سفيان، مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ يعني: في غزوة أحد في العام الأول، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ بالخروج مع الرسول، وَاتَّقَوْا الله في مخالفته، أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ يعني نُعَيْم بن مسعود، وأطلق عليه الناس لأنه من جنسهم، كما يقال: فلان يركب الخيل، وما يركب إلا فرساً. أو: لأنه انضم إليه


(١) نزول الآية فى قصة حمراء الأسد هو ما عليه جمهور المفسرين، انظر: الطبري والمحرر الوجيز.

<<  <  ج: ص:  >  >>