بسم الله الرحمن الرحيم (وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم) قال الشيخ الإمام الحبر الهمام، العارف الرباني والقطب الصمداني، قدوة السالكين ومنار الواصلين، بحر العرفان، ومشرق شمس العيان، مهيع الطريقة، الجامع بين الشريعة وبحر الحقيقة، أبو العباس أحمد بن محمد بن عجيبة الحسنى- رضى الله عنه وأرضاه- آمين:
نحمدك يا من تجلّى لعباده فى كلامه، بكمال بهائه وجماله، وفتق ألسنة العلماء النحارير لاستخراج درره ولآلئه، وفجّر قلوبهم بينابيع الحكم المؤيدة بأصوله ومبانيه، واستفادوا عند غوصهم فى تياره من فرائده ومثانيه، فدحضوا بآياته الباهرة، وحججه الظاهرة القاهرة شبه من يناويه ويعانيه، والكلّ معترف بالتقصير، مغترف على حسب الفهم والتيسير، من بحر أسراره ومعانيه، فهو البحر الطام الذي لا يدرك له قعر، والروض المونق الذي لا يعدم منه زهر ولا نور، وكيف لا، وهو كلام مولانا العالم بالخفيات، وبما كان وما هو الآن وما هو آت؟!.
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد، مظهر الرحمات، المبعوث بخوارق العادات ولوامع البينات، وعلى آله وأصحابه أولى النّدى والسماحة، وجبال اليقين فى اشتداد الأزمات وتفاقم المعضلات.
وبعد ... فإن علم تفسير القرآن من أجلّ العلوم، وأفضل ما ينفق فيه نتائج الأفكار وقرائح الفهوم، ولكن لا يتقدم لهذا الخطر الكبير إلا العالم النّحرير، الذي رسخت أقدامه فى العلوم الظاهرة، وجالت أفكاره فى معانى القرآن الباهرة، بعد أن تضلّع من العلم الظاهر، عربية وتصريفا ولغة وبيانا، وفقها وحديثا وتاريخا، يكون أخذ ذلك من أفواه الرجال، ثم غاص فى علوم التصوف ذوقا وحالا ومقاما، بصحبة أهل الأذواق من أهل الكمال، وإلا فسكوته عن هذا الأمر العظيم أسلم، واشتغاله بما يقدر عليه من علم الشريعة الظاهرة أتم.
واعلم أن القرآن العظيم له ظاهر لأهل الظاهر، وباطن لأهل الباطن، وتفسير أهل الباطن لا يذوقه إلا أهل الباطن، لا يفهمه غيرهم ولا يذوقه سواهم، ولا يصح ذكره إلا بعد تقرير الظاهر، ثم يشير إلى علم الباطن بعبارة رقيقة وإشارة دقيقة، فمن لم يبلغ فهمه لذوق تلك الأسرار فليسلّم، ولا يبادر بالإنكار فإنّ علم الأذواق من وراء طور العقول، ولا يدرك بتواتر النقول.
قال في لطائف المنن: اعلم أن تفسير هذه الطائفة- يعنى الصوفية- لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلّم بالمعاني الغريبة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جاءت الآية له ودلت عليه فى حرف اللسان،