للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر الحق تعالى ما يحلّ من النساء، فقال:

وَأُحِلَّ لَكُمْ ...

قلت: «وأُحِلَّ» عطف على الفعل العامل في «كتاب الله عليكم» أي: كتب الله عليكم تحريم ما ذكر، وأحل ما سوى ذلك. ومن قرأ بالبناء للمفعول فعطف على «حُرمت» . و (أن تبتغوا) مفعول لأجله، أي: إرادة أن تبتغوا. أو بدل من (وراء ذلكم) . و (محصنين) حال من الواو. والسفاح: الزنا، من السفح وهو الصب، لأنه يصب المنيّ في غير مَحِلَّهُ.

يقول الحق جلّ جلاله: وَأُحِلَّ لَكُمْ أن تتزوجوا من النساء ما سوى ذلكم المحرمات، وما سوى ما حرمته السنة بالرضاع، كما تقدم، والجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، فقد حرَمتْه السُنة، وإنما أحل لكم نكاح النساء إرادة أن تطلبوا بأموالكم الحلال، فتصرفوها في مهور النساء.. حال كونكم مُحْصِنِينَ. أي: أعفة متحصنين بها من الحرام، غَيْرَ مُسافِحِينَ أي: غير زناة، تصبون الماء في غير موضعه، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ أي: من تمتعتم به من المنكوحات فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي: مهورهن، لأن المهر في مقابلة الاستمتاع فَرِيضَةً، أي: مفروضة مقدرة، لا جَهْلَ فيها ولا إبهام، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ من زيادة على المهر المشروط، أو نقص منه، مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، التي وقع العقد عليها، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بمصالح خلقه، حَكِيماً فيما شرع من الأحكام.

وقيل قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ ... إلى آخره. نزل في نكاح المتعة، التي كانت ثلاثة أيام في فتح مكة، ثم نُسِخَ بما روى عنه- عليه الصلاة والسلام- أنه أباحه، ثم أصبح يقول: «أيُّهَا النَّاسِ، إِنِّي كُنْتُ أمرتكم بالاسِتْمْتَاعِ مِنَ هذه النَّساء، ألا إنَّ اللهَ حَرَمَ ذَلِكَ إلىَ يَوْمِ القِيَامةِ» . وهو النكاح المؤقت بوقت معلوم، سُمي به لأن الغرض منه مجرد الاستمتاع. وتمتعها بما يُعطى لها. وجوَّزه ابن عباس رضي الله عنه ثم رجع عنه. والله تعالى أعلم.

الإشارة: يقول الحق جلّ جلاله من طريق الإشارة: إذا خرجتم من بطن الشهوات، ورفضتم ما كنتم عليه من العوائد والمألوفات، وزهدتم فيما يشغل فكرتكم من العلوم الرسميات، حل لكم ما وراء ذلكم من العلوم اللدنية

<<  <  ج: ص:  >  >>