للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المارَّة به، وَقُلِبَتْ السين صاداً لتطابق الطاء في الإطباق، وقد تُشَمُّ زاياً لقرب المَخرج، و (المستقيم) : الذي لا عوج فيه، والمراد به طريق الحق المُوصَّلة إلى الله.

يقول الحق جلّ جلاله: معلما لعباده كيف يطلبونه، وما ينبغي لهم أن يطلبوا، أي: قُولوا (اهدنا) أي: أَرشِدْنا إلى الطريق المستقيم، الموصلة إلى حضرة النعيم، والطريقُ المستقيم هو السيرُ على الشريعة المحمدية في الظاهر، والتبرِّي من الحول والقوة في الباطن، أو تقول: هو أن يكون ظاهرُك شريعةً وباطنك حقيقة، ظاهرك عبودية وباطنك حرية، الفرق على ظاهرك موجود والجمع في باطنك مشهود، وفي الحكم: «متى جَعَلَك في الظاهر ممتثلاً لأمره وفي الباطن مستسلماً لقهره، فقد أعظم المِنَّة عليك» .

فالصراط المستقيم الذي أمرَنَا الحقُّ بطلبه هو: الجمع بين الشريعة والحقيقة، والمفهوم من قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، ولذلك وصلَه به، فكأن الحق- سبحانه- يقول: يا عبادي احمدوني ومجدوني وأفردوني بالقصد وخُصُّوني بالعبادة، وكونوا في ظاهركم مشتغلين بعبادتي، وفي باطنكم مستعينين بحولي وقوتي، أو كونوا في ظاهركم متأدبين بخدمتي، وفي باطنكم مشاهدين لقدرتي وعظمة ربوبيتي.

وقال سيدنا علي- كَرَّمَ الله وجهه-: (الصراط المستقيم هنا القرآن) . وقال جابر رضي الله عنه: (هو الإسلام) يعني الحنيفية السمحاء، وقال سهل بن عبد الله: (هو طريق محمد صلى الله عليه وسلّم) . يعني اتباعَ ما جاء به. وحاصله ما تقدم من إصلاح الظاهر بالشريعة والباطن بالحقيقة، فهذا هو الطريق المستقيم الذي من سلكه كان من الواصلين المقربين مع النبيين والصدِّيقين.

فإن قلتَ: إذا كان العبدُ ذاهباً على هذا المنهاج المستقيم، فكيف يطلب ما هو حاصل؟ فالجواب: أنه طلب التثبيت على ما هو حاصل، والإرشاد إلى ما هو ليس بحاصل، فأهل مقام الإسلام يطلبون الثبات على الإسلام، الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإيمان الذي ليس بحاصل، على طريق الصوفية، الذين يخصون العمل الظاهر بمقام الإسلام، والعمل الباطن بمقام الإيمان، وأهلُ الإيمان يطلبون الثبات على الإيمان الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإحسان الذي ليس بحاصل، وأهل مقام الإحسان يطلبون الثبات على الإحسان، والترقي إلى مالا نهاية له من كشوفات العرفان وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.

وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ بالتثبيت فيما هو حاصل، والإرشاد فيما ليس بحاصل، ثم قال: عمومُ المؤمنين يقولون: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أي: بالتثبيت فيما هو

<<  <  ج: ص:  >  >>