وجعل بعضُهم الضمير في عَلَيْهِ، عائدًا على الأكل، فليس فيها على هذا أمر بالتسمية على الصيد، ومذهب مالك: أنه إن تركت التسمية عمدًا لم تؤكل، وإن تركت سهوًا أكلت، فهي عنده واجبة بالذكر ساقطة بالنسيان، وهذا الخلاف جار في الذكاة كلها.
وَاتَّقُوا اللَّهَ في اجتناب محرماته، إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ، فيؤاخذكم على ما جلّ ودق.
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ فيتناول الذبائح وغيرها، ويعم أهل الكتاب اليهود والنصارى، واستثنى عليٌّ- كرم الله وجهه- نصارى بني تغلب، وقال:(ليسوا على النصرانية، ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر) . ولا يلحق بهم المجوس في ذلك، وإن ألحقوا بهم فى الجزية، لقوله صلّى الله عليه وسلّم:«سنوا بهم سنة أهل الكِتاب، غير ألا تنكحوا نساءهم، ولا تأكلوا ذبائحهم»«١» وكذلك المرتد مطلقًا لا تؤكل ذكاته.
قال ابن جزي: وأمَّا الطعام، فهو على ثلاثة أقسام: أحدها: الذبائح، وقد اتفق العلماء على أنها مرادة في الآية، فأجازوا أكل ذبائح اليهود والنصارى، واختلفوا فيما هو محرم عليهم في دينهم، على ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، والكراهة، وهو مبني على: هل هو من طعامهم أم لا؟ فإن أريد بطعامهم ما ذبحوه، جازت، وإن أريد ما يحل لهم، مُنع، والكراهة توسط بين القولين. الثاني: ما لا محاولة لهم فيه، كالقمح والفاكهة، فهو جائز لنا اتفاقًا. والثالث: ما فيه محاولة كالخبز وتعصير الزيت وعقد الجبن، وشبه ذلك مما يمكن استعمال النجاسة فيه، فمنعه ابن عباس لأنه رأى أن طعامهم هو الذبائح خاصة، وأجازه الجمهور، لأنه رأوه داخلاً في طعامهم، وهذا إذا كان استعمال النجاسة فيه محتملاً، أما إذا تحققنا استعمال النجاسة فيه كالخمر والخنزير والميتة، فلا يجوز أصلاً، وقد صنف الطرطوشي في تحريم جبن النصارى، وقال: إنه يُنجس البائع والمشتري والآلة لأنهم يعقدونه على أنفحه الميتة. هـ.
وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، فلا بأس أن تُطعموهم من طعامكم، وتبيعوه لهم، وأما ما حرم عليهم، فلا يجوز بيعه منهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: يسألونك أيها العارف الرباني ماذا أحل للفقراء من الأعمال والأحوال، قل لهم: أحل لكم الطيبات، أي: الخالص من الأعمال، والصافي من الأحوال، والتلذذ بحلاوة المشاهدة والمكالمة، وما اصطادت لكم أنفسكم من العلوم اللدنية والأسرار القدسية، بقدر تزكيتها وتربيتها، فكلوا مما أمسكن عليكم، أي: تمتعوا بما أتت به لكم من
(١) أخرجه مالك فى الموطأ (الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس) من حديث عبد الرحمن بن عوف، بدون ذكر: (غير ألا تنكحوا نساءهم ولا تأكلوا ذبائحهم) وجاءت هذه العبارة بنحوها فى حديث أخرجه عبد الرزاق فى المصنف (٦/ ٦٩ ح ١٠٠٢٨) والبيهقي فى الكبرى (٩/ ١٩٢) عن الحسن بن محمد بن على قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل، ومن أصر ضربت عليهم الجزية، على أن لا تؤكل لهم ذبيحة، ولا ينكح لهم امرأة) .