وقال في لطائف المنن:(مَن لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع، ويكشف له عن قلبه القناع، فهو في هذا الشأن لَقيطٌ لا أب له، دعي لا نسب له، فإن يكن له نور فالغالب غلبة الحال عليه، والغالب عليه وقوفه مع ما يرد من الله إليه، لم تَرْضْهُ سياسةُ التأديب والتهذيب، ولم يقده زمام التربية والتدريب) ، فهذا الطريق الذي ذكرنا هو الذي يستشعره القارئ للفاتحة عند قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ مع الترقي الذي ذكره الشيخ أبو العباس المرسي رضى الله عنه المتقدم، وإذا قرأ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ استشعر، أَيْ: أنعمتَ عليهم بالوصول والتمكين في معرفتك.
وقال الورتجبي: اهدنا مُرَادَك مِنَّا لأن الصراط المستقيم ما أراد الحق من الخلق، من الصدق والإخلاص في عبوديته وخدمته. ثم، قال: وقيل: اهدنا هُدَى العِيَانِ بعد البيان، لنستقيم لك حسب إرادتِك. وقيل: اهدنا هُدَى مَنْ يكون منك مبدؤه ليكون إليك منتهاه. ثم قال: وقال بعضهم: اهدنا، أي: ثبِّتْنا على الطريق الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام، وهو الطريق المستقيم والمنهاج القويم صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أي: منازل الذين أنعمت عليهم بالمعرفة والمحبة وحسن الأدب في الخدمة. ثم قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يعني: المطرودين عن باب العبودية، وَلَا الضَّالِّينَ يعني المُفْلِسين عن نفائس المعرفة هـ.
قلت: والأحسن أن يقال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هم الذين أَوْقَفَهُمْ عن السير اتباعُ الحظوظ والشهوات، فأوقعهم في مَهَاوِي العصيان والمخالفات، وَلَا الضَّالِّينَ هم الذين حبسهم الجهل والتقليد، فلم تنفُذْ بصائرهم إلى خالص التوحيد، فنكصوا عن توحيد العيان إلى توحيد الدليل والبرهان، وهو ضلال عند أهل الشهود والعِيان، ولو بلغ في الصلاح غايةَ الإمكان.
وقال في الإحياء: إذا قلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فافْهَمْ أن الأمور كلها بالله، وأن المراد هاهنا المُسمَّى، وإذا كانت الأمورُ كلها بالله فلا جرَم أنَّ الحمد كله لله، ثم قال: وإذا قلت: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فأحضرْ في قلبك أنواعَ لطفه لتتفتحَ لك رحمتُه فينبعث به رجاؤُك، ثم استشعر من قلبك التعظيم والخوف من قولك: يَوْمِ الدِّينِ. ثم قال: ثم جَدَّد الإخلاص بقولك: إِيَّاكَ نَعْبُدُ. وجدَّد العجز والاحتياج والتبرِّيَ من الحوْل والقوة بقولك: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، ثم اطلب اسم حاجتك، وقل: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الذي يسوقنا إلى جوارك ويُفضي بنا إلى مرضاتك، وزِدْهُ شرحاً وتفصيلاً وتأكيداً، واستشهد بالذين أفاض عليهم نعم الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، دون الذين غضب عليهم من الكفار والزائغين واليهود والنصارى والصابئين.