للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عليّ- كرّم الله وجهه- قال: (شرح موسى عليه السّلام التوراة فى سبعين سفرا، ولو أذن لى رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأوقرت على الفاتحة سبعين بعيرا) . قلت: قوله (سبعين) تقريبا، وإلا فهى قابلة لأكثر من ذلك، وتفصيل ذلك يطول، وقد ذكرنا أصول علومها فى شرحنا الكبير عليها. والله تعالى أعلم.

الثانية: قال ابن جزىّ: قولنا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أفضل عند المحققين من (لا إله إلا الله) لوجهين:

أحدهما: ما أخرج النّسائيّ: عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم «أنه مَن قال: لا إله إلا الله، كتبت له عشرون حسنة، ومن قال:

الحمد لله رب العالمين، كتبت له ثلاثون حسنة» . والثاني: أن التوحيد الذي تقتضيه (لا إله إلا الله) ، حاصل فى قولك: (رب العالمين) وزادت بقولك: الحمد لله، وفيه من المعاني ما قدّمنا. وأما قوله صلى الله عليه وسلّم: «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلى: لا إله إلا الله» فإنما ذلك للتوحيد الذي تقتضيه، وقد شاركتها (الحمد لله رب العالمين) فى ذلك وزادت عليها. وهذا لمؤمن حقّق إيمانه وطلب الثواب، وأما لمن دخل فى الإسلام فيتعيّن «لا إله إلا الله» . هـ.

قلت: والتحقيق أن كل ما يدل على التوحيد من الألفاظ يكفى فى الدخول فى الإسلام، كما قال البنانىّ فى حاشيته.

الثالثة: قراءة الفاتحة فى الصلاة واجبة عند مالك والشافعي خلافاً لأبي حنيفة، وقد ذكرنا فى الشرح الكبير منشأ الخلاف.

الرابعة: التأمين عند ختم الفاتحة مطلوب للدعاء الذي فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما حسدتكم اليهود على شىء ما حسدتكم على السّلام والتّأمين» . رواه ابن ماجة. وقال أيضا صلى الله عليه وسلّم: «إن الله أعطانى خصالا ثلاثة:

أعطانى صلاة الصّفوف وأعطانى التحية، وإنها لتحية أهل الجنة، وأعطانى التأمين، ولم يعطه أحدا من النبيين قبلى، إلا أن يكون الله أعطاه هارون، يدعو موسى ويؤمن هارون» رواه ابن خزيمة. وسمع عليه الصلاة والسلام رجلا يدعو ويلح فقال: «أوجب إن ختم» فقال بعض القوم: بأيّ شىء يختم؟ فقال: «يؤمن فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب» . قال أبو زهير- راوى الحديث- فإن آمين مثل الطّابع على الصحيفة. ولعلّه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، رواه أبو داود.

ولفظ آمِّينَ بالمدّ والقصر مخففا. وتشديد الميم لغة. قيل: هو اسم من أسماء الله تعالى.. وقيل معناه: اللهم استجب، أو كذلك فافعل، أو كذلك فليكن. قاله المنذرى فى الترغيب. قال البيضاوي: بنى على الفتح كأين لالتقاء الساكنين، وجاء مدّ ألفه وقصرها. قال:

ويرحم الله عبدا قال آمينا «١»


(١) هذا شطر بيت، أوله: (يا رب لا تسلبنى حبها أبدا ... ) ونسبه ابن منظور فى اللسان إلى عمر بن أبى ربيعة. قلت: وقد أغفل الشيخ المفسر ذكر مثال القصر. وهو كما فى أنوار التنزيل ولسان العرب:
تباعد منى فطحل، إذ سألته ... أمين فزاد الله ما بيننا بعدا

<<  <  ج: ص:  >  >>