وَرَتِّب الظِّهارَ والتَّمَتُّعا ... وَالقَتلَ ثَمّ في اليَمِينِ اجتَمَعَا
وكيفية التخيير هنا: أن يخير الحكمان القاتلَ فإن أراد الجزاء عينوا له ما يهدي، وإن أراد الإطعام قوموا الصيد بالطعام في ذلك المحل، فيطعم مُدًا لكل مسكين، وإن أراد الصيام صام يومًا لكل مُدّ، وكمل لكسره، فإذا قوم بعشرة مثلاً ونصف مُدّ، صام أحد عشر يومًا.
ثم ذكر حكمة الجزاء، فقال: لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ أي: فعليه الجزاء أو الإطعام أو الصيام ليذوق عقوبة سوء فعله، وسوء هتكه لحرمة الإحرام، عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ في الجاهلية أو قبل التحريم، وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ في الآخرة، وليس فيه ما يمنع الكفارة على العائد كما حكى عن ابن عباس وشريح. وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ ممن أصر على عصيانه.
ثم استثنى صيد البحر فقال: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وهو ما لا يعيش إلا في الماء، وهو حلال كله لقوله صلّى الله عليه وسلّم في البحر:«هُو الطَّهُورُ ماَؤهُ، الحِلُّ مَيتَتُه»«١» . وقال أبو حنيفة: لا يحل منه إلا السمك، وَطَعامُهُ أي: ما قذفه، أو طفا على وجهه لأنه ليس بصيد إنما هو طعام. وقال ابن عباس: طعامه: ما مُلِّح وبقي مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ، الخطاب بلكم للحاضرين في البحر، والسيارة: المسافرون في البر، أي: هو متاع تأتِدمون به في البر والبحر، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ يحتمل أن يريد به المصدر، أي الاصطياد، أو الشيء المصيد، أو كلاهما، وتقدم أن ما صاده محرم أو صيد له: ميتة، وحد الحرمة: ما دُمْتُمْ حُرُماً فإذا حللتم فاصطادوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ في ترك ما حرم عليكم، الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فيُجازيكم على ما فعلتم.
الإشارة: إذا عقد المريد مع الله عقدة السير والمجاهدة، قد يختبره الله- تعالى- في سيره بتيسير الشهوات، وتسليط العلائق والعوائق ليعلم الكاذب من الصادق، فإن كف عنها وأعرض، هيأه لدخول الحضرة، وإن انهمك فيها، واقتنص فى شبكتها، بقي مرهونًا في يدها، أسيرًا في قبضة قهرها، فإذا نهض حتى دخل حرم الحضرة قاصدًا لعرفة المعارف، حَرُم عليه صيد البر، وهو كل ما يخرج من بحر الحقيقة إلى شهود بَر السِّوى، فرقًا بلا جمع، كائنًا ما كان، رسومًا أو علوما أو أحوالا أو أقوالاً، وحلّ له صيد البحر وطعامه، من أسرارِ أو أنوارِ أو حقائق،
(١) أخرجه مالك فى (الطهارة، باب الطهور للوضوء) والبيهقي فى الكبرى (١/ ٣) وأبو داود فى (الطهارة، باب الوضوء بماء البحر) والترمذي فى (الطهارة، باب ما جاء فى ماء البحر) والنسائي فى (الطهارة، باب ماء البحر) وابن ماجه فى (الطهارة، باب الوضوء بماء البحر) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.