للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: (ذلك أن لم يكن ربك) : خبر عن مضمر، وأن على حذف لام العلة، أي: الأمر ذلك لأجل أن لم يكن ربك متصفًا بالظلم.

يقول الحق جلّ جلاله، يوم القيامة في توبيخ الكفار: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ

أي: من مجموعكم، أو رسل الجن: نُذُرُهم الذين يبلغون لهم شريعة الأنس إذ ليس في الجن رسل على المشهور.

ورَوى الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم إثبات ذلك، واحتج بأن الله تعالى أخبَر أن من الجن والإنس رسلاً أرسلوا إليهم، يعني ظاهر هذه الآية. وأجاب الجمهور بأن معنى الآية: أن رسل الإنس رسل من قبل الله أليهم، ورسل الجن يبلغون كلام رسل الأنس إليهم، ولهذا قال قائلهم: إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى الآية «١» ، فالرسالة إلى الجن خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلّم، أي: مع الإنس.

حال كون الرسل الذين أتوكم قُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا

يعني يوم القيامة، قالوا في الجواب: هِدْنا عَلى أَنْفُسِنا

بالكفر والعصيان، وهو اعتراف منهم بما فعلوا.

قال تعالى: غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا

ألهتهم بزخرفها عن النظر والتفكر، شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ

، وهذا ذم لهم على سُوء نظرهم وخطأ رأيهم، فإنهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات الفانية، وأعرضوا عن الآخرة بالكلية، حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذيرًا للسامعين وإرشادًا لهم. قاله البيضاوي.

ثم ذكر حكمة إرسال الرسل فقال: ذلِكَ الإرسال حكمته ل أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ أي: إنما أرسلَ الرسل لئلا يكون ظالمًا لهم بإهلاكهم بسبب ظلم فعلوه، وهم غافلون عن الإنذار، بحيث لم ينذرهم أحد، أو: لم يكن مهلك القرى ملتبسًا بظلم حيث أهلكهم من غير إنذار، ففاعل الظلم، على الأول: القرى، وعلى الثاني: الله تعالى، على تقدير إهلاكهم من غير إنذار. والأول يتمشى على مذهب المعتزلة، والثاني على مذهب أهل السنة. انظر ابن جزى.


(١) الآية ٣٠ من سورة الأحقاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>