للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، لفرط استغرابهم، وتبجهم بما وجدوا من التفاوت العظيم في اللذة والتشابه البليغ في الصورة، وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ أي: حور مُطَهَّرَةٌ من الحيض، وسائر الأدناس، ومن الأخلاق المذمومة، والشيم الذميمة، وَهُمْ فِيها خالِدُونَ فإن النعيم إذا كان يعقُبه الفناء تنغّص على صاحبه، كما قال الشاعر:

لا خيرَ في العيش مادامت مُنغَّصَةً ... لَذاتُه بادِّكارِ الموتِ والهَرَمِ

الإشارة: وإن كنتم يا معشر العوام في شك مما خصصنا به ولينا من الأنوار، وما أنزلنا على قلبه من المعارف والأسرار، وما ظهر عليه من البهجة والأنوار، وما اهتدى على يديه من الصالحين والأبرار، فأتوا أنتم بشئ من ذلك، وانتصروا بما قدرتم من دون الله إن كنتم صادقين في المعارضة. قال القشيري: وكما أن كيد الكافرين يَضْمَحِلُّ في مقابلة معجزات الرسول، فكذلك دعاوى المُلْبِسين تتلاشى عند ظهور أنوار الصديقين. هـ.

فإن لم تفعلوا ما ذكرنا من المعارضة، ولن تقدروا على ذلك أبداً، فأَذْعنوا، واخْضعوا، واتقوا نار القطيعة والحظوظ، والطمع والهلع، التي مادتها النفوس والفلوس إذ بهما هلك مَن هلك وفاز مَن فاز، أُعدت تلك النار للمنكرين الخصوصية، الجاحدين لوجود التربية النبوية.

وبَشِّر الصديقين بوجود الخصوصية، المنقادين لأهلها، أن لهم جنات المعارف في الدنيا، وجنات الزخارف في الآخرة، تجري من تحت قلوب أهلها أنوار العلوم والمعارف، فإذا كشف لهم يوم القيامة عن أسرار ذاته، قالوا:

هذا الذي عرفناه من قبل في دار الدنيا، إذ الوجود واحد والمعرفة متفاوتة، وأتُوا بأرزاق المعارف متشابهة لأن مَنْ عَرَفه في الدنيا عرفه في الآخرة، ومَن أنكره هنا أنكره يوم القيامة، إلا في وقت مخصوص على وجه مخصوص، ولهم في جنات المعارف عرائس المعارف والكشوفات، مطهرات من أدناس الحس وعبث الهوى والشهوات، وهم بعد تمكنهم من شهود الذات، خالدون في عُشّ الحضرة، فيها يسكنون وإليها يأوون.

وقال القشيري: كما أن أهل الجنة يجدد لهم النعيم في وقت، فالثاني عندهم على ما يظنون كالأول، فإذا ذاقوه وجدوه غير ما تقدم، كذلك أهل الحقائق: أحوالهم في الزيادة أبداً، فإذا رقي أحدهم عن محله، توهم أن الذي سيلقاه في هذا النَّفس مثل ما تقدم، فإذا ذاقه وجده فوق ذلك بأضعاف، كما قال قائلهم:

مازلت أنزلُ مِنْ وِدادِكَ مَنْزِلاً ... تَتحَيرُ الألبابُ عِندَ نُزُولهِ «١»


(١) البيت ذكره البغدادي فى تاريخ بغداد ٥/ ١٣٥ فى قصة مع أبى الحسن النوري.

<<  <  ج: ص:  >  >>