قلت:(مهما) : اسم شرط جازم، و (تأتنا) : شرطها، وجملة (فما نحن) : جوابها، قيل: مركبة، وأصلها:«ما» الشرطية، ضُمت إليها «ما» الزائدة، نحو: أينما، ثم قُلبت الألف هاء، والمشهور: أنها بسيطة، ومحلها: رفع بالابتداء، أو نصب بفعل يفسره:«تأتنا» ، والضمير في:«به» عائد على «مهما» .
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالُوا أي: فرعون وقومه: مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ، وإنما سموها آية على زعم موسى، لا لاعتقادهم، ولذلك قالوا: لِتَسْحَرَنا بِها أي: لتسحر بها أعيننا وتشبه علينا، فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. وهذا من عظيم عتوهم وانهماكهم في الكفر.
قال تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وهو مطر شديد نزل بهم مع فيض النيل، حتى هدم بيوتهم وكادوا يهلكون، وامتنعوا من الزراعة، وقيل: الطاعون، وقيل: الجدري، وقيل الموتان، وَالْجَرادَ وهو المعروف، أكل زروعهم وثمارهم، حتى أكل ثيابهم وأبوابهم وسقف بيوتهم، وَالْقُمَّلَ قيل: أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها، وقيل: البراغيث، وقيل السوس، والتحقيق: أنه صغار القراد، دخل ثيابهم وشعورهم ولحاهم، وقرىء:«القَملَ» بفتح القاف وهو القمل المعروف، دخل ثيابهم وامتلأت منها، وَالضَّفادِعَ، وهي المعروفة، كثرت عندهم حتى امتلأت بها فروشهم وأوانيهم، وإذا تكلم أحدهم وثب الضفدع إلى فيه. وَالدَّمَ صارت مياههم دمًا، فكان يستسقي من البئر القبطي والإسرائيلي في إناء واحد، فيخرج ما يلي القبطي دمًا، وما يلي الإسرائيلي ماء.
قال البيضاوي: رُوِي أنهم مُطِروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة، لا يقدر أحد أن يخرج من بيته، ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم، وكانت بيوت بني إسرائيل متصلة ببيوتهم، فلم يدخل فيها قطرة، وركب على أرضهم فمنعتهم من الحرث والتصرف فيها، ودام ذلك عليهم أسبوعًا، فقالوا لموسى عليه السلام: أدع لنا ربك بما عهد