قال تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ إلى منازل الأبرار بِها أي: بسبب تلك الآيات وملازمتها، وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ أي: مال إلى الدنيا وحطامها، أي: أخلد إلى أرض الشهوات، وَاتَّبَعَ هَواهُ في إيثار الدنيا واسترضاء قومه، أو صيانة رئاسته وجاهه. قال البيضاوي: وكان من حقه أن يقول: ولكنه أعرض عنها، فأوقع موقعه: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ مبالغةً وتنبيهًا على ما حمله عليه، وأن حب الدنيا رأس كل خطيئة. هـ.
فَمَثَلُهُ أي: فصفته التي هي مثلٌ في الخسة، كَمَثَلِ الْكَلْبِ أي: كصفته في أخس أحواله، وهو إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ أي: يلهث دائمًا، سواء حمل عليه بالزجر والطرد، أو ترك ولم يتعرض له، بخلاف سائر الحيوانات لضعف فؤاده، واللهث: إدلاع اللسان من التنفس الشديد، والمراد: لازم اللهث، وهو نفي الرفع ووضع المنزلة.
قال ابن جزي: اللهث: هو تنفس بسرعة، وتحريك أعضاء الفم، وخروج اللسان، وأكثر ما يعتري ذلك الحيوانات عند الحر والتعب، وهي حالة دائمة للكلب، ومعنى «إن تحمل عليه» : أن تفعل معه ما يشق عليه، من طرد أو غيره، أو تتركه دون أن تحمل عليه، فهو يلهث على كل حال. ووجه تشبيه ذلك الرجل به أنه إن وعظته فهو ضال، وإن لم تعظه فهو ضال، فضلالته على كل حال. هـ. وقال الواحدي: وذلك أنه زجر في المنام عن الدعاء على موسى، فلم ينزجر، وترك عن الزجر، فلم يهتد. هـ. وقيل: أن ذلك الرجل خرج لسانه على صدره، فصار مثل الكلب، وصورته ولهثه حقيقة. هـ. وفعل به ذلك حين دعا على موسى عليه السلام. وفي ابن عطية: ذكر «المعتمد» أن موسى قتله.
قال تعالى: ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صفتهم كصفة الكلب في لهثه وخسته، أو كصفة الرجل المشبه به، لأنهم إن أنذروا لم يهتدوا، وإن تركوا لم يهتدوا. أو شبههم بالرجل في أنهم رأوا الآيات فلم تنفعهم، كما أن الرجل لم ينفعه ما عنده من الآيات. وقال الواحدي: يعني: أهل مكة كانوا متمنين هادياً يهديهم، فلما جاءهم من لا يشكُّون في صدقه كذبوه، فلم يهتدوا لمَّا تُركوا، ولم يهتدوا أيضًا لما دعوا بالرسول، فكانوا ضالين عن الرسول في الحالتين. هـ.
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ المذكور على اليهود، فإنها نحو قصصهم، لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ تفكرًا يُؤدي إلى الاتعاظ، فيؤمنوا به، فإنَّ هذه القصص لا توجد عند من لم يقرأ إلا بوحي، فيتيقنوا نبوتك. ساءَ أي: قبح مَثَلًا مثل الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا حيث شُبهوا بالكلاب اللاهثة، وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ بتعريضها للهلاك. قال البيضاوي: إما أن يكون داخلاً في الصلة، معطوفًا على الَّذِينَ كَذَّبُوا، بمعنى: الذين