لبثت أن ماتت، فعمدت إلى خرقة بيضاء فلففتها فيها، ثم نحّيتها عن الطريق فدفنتها، ثم أدركت أصحابي. فو اللَّه إنا لقعود إذ أقبل أربع نسوة من قبل المغرب فقالت واحدة منهن: أيكم دفن عمرا؟ قلنا: ومن عمرو؟ قالت: أيكم دفن الحية؟ قلت: أنا. قالت: أما واللَّه لقد دفنت صوّاما قوّاما يأمر بما أنزل اللَّه ولقد آمن بنبيكم وسمع صفته في السماء قبل أن يبعث بأربعمائة سنة. فحمدنا اللَّه تعالى ثم قضينا حجنا، ثم مررت بعمر بن الخطاب بالمدينة فأنبأته بأمر الحية فقال: صدقت، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لقد آمن بي قبل أن أبعث بأربعمائة سنة
[ (١) ] .
وقال ابن أبي الدّنيا: حدثنا محمد بن عباد حدثني محمد بن زياد، حدثني أبو مصلح الأسدي، حدثني يحيى بن صالح، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، عن حذيفة العدوي قال: خرج حاطب بن أبي بلتعة من حائط له يريد النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالمسحاء التفت إليه عجاجتان ثم أجلتا عن حيّة كيف الحوار، يعني الجلد، فنزل ففحص له بسية قوسه ثم واراه، فلما كان الليل إذا هاتف يهتف به:
يا أيها الراكب المزجي مطيته ... اربع عليك سلام الواحد الصّمد
رأيت عمرا وقد ألقى كلاكله ... دون العشيرة كالضّرغامة الأسد.
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ذاك عمرو بن الجوماية وافد نصيبين لقيه محصن بن جوشن النصراني فقتله، أما إني قد رأيتها- يعني نصيبين- فرفها إليّ جبريل، فسألت اللَّه تعالى أن يعذب نهرها ويطيب ثمرها ويكثر مطرها.
والآثار في هذا المعنى كثيرة ذكر طرفا منها الشيخ رحمه اللَّه تعالى في كتابه «لقط المرجان في أخبار الجان» .
الثالث: أنكر ابن عباس رضي اللَّه عنهما اجتماع النبي صلى الله عليه وسلّم بالجن. ففي الصحيحين عنه قال: ما قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم على الجن ولا رآهم، انطلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: مالكم؟ قالوا: قد حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشّهب. قالوا: ما ذاك إلا من شيء قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ
[ (١) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (١٢٨) وذكره المتقي الهندي في الكنز (٣٥٣٦٨) .