تعالى عنه- أنه أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يبول فسلّم عليه فلم يردّ عليه حتّى توضّأ، ثمّ اعتذر إليه، فقال:«إنّي كرهت أن أذكر الله تعالى ألا على طهر» أو قال: «على طهارة» [ (١) ] .
[تنبيهات]
الأول: قال في زاد المعاد: «كان- صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب في سفر للحاجة انطلق حتى يتوارى عن أصحابه، وربما يبعد الميلين، وكان يستتر للحاجة بالهدف تارة وبحشائش النخل تارة وبشجر الوادي تارة، وكان إذا أراد أن يبول في عزاز من الأرض- وهو الموضع الصلب- أخذ عودا من الأرض فنكث به حتى يثير التراب، ثم يبول وكان يرتاد لبوله الموضع الدّمث- وهو اللّيّن الرّخو من الأرض- وأكثر ما كان يبول وهو قاعد، حتى قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: من حدّثكم أنّه كان يبول قائما فلا تصدّقوه، وما كان يبول إلّا قاعدا، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث حذيفة أنّه بال قائما، فقيل كان لبيان الجواز، وقيل: بل لوجع كان بمأبضه وقيل بل فعله استشفاء.
قال الشافعي: والعرب تستشفي من وجع الصلب بالبول قائما.
وقول صاحب الهدي: «الصحيح. إنما فعله تنزيها وبعدا من إصابة البول» إلى آخره. فيه نظر، بل البول قائما في المكان الصلب مما ينجس القدمين بالرشاش.
وكان إذا بال نثر ذكره ثلاثا، وكان إذا سلّم عليه أحد وهو يبول لم يرد عليه [
ذكره مسلم في صحيحه عن ابن عمر، وروى البزار في مسنده في هذه القصة أنه رد عليه ثم قال:
«إنّما رددت عليك خشية أن تقول: سلّمت عليه فلم يردّ عليّ سلاما فإذا رأيتني هكذا فلا تسلّم عليّ فإنّي لا أردّ عليك» .
وكان إذا استنجى بالماء ضرب بيده بعد ذلك على الأرض، وكان إذا جلس لحاجته لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
الثاني: قول عائشة- رضي الله تعالى عنها-:
«من حدّثكم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بال قائما فلا تصدّقوه» محمول على من اعتقد أن ذلك كان عادة له- صلى الله عليه وسلم-، وإلا فقد فعله- صلى الله عليه وسلّم- مرارا لضرورة، إذ كان يغشاه الوفود والناس، ويقوم بأمر الأمة، فينزل به من ذلك ما يضر به الصبر إلى وصوله إلى بيته أو لا يستطيع إمساكه.
[ (١) ] أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٣٤٥، أخرجه أبو داود ١/ ٥ حديث (١٧) والنسائي ١/ ٣٤ والبيهقي ١/ ٩٠ وانظر كلام الحافظ ابن القيّم في زاد المعاد (١/ ١٧٣) .