للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال: عن أي شيء كنت تسأله، قال: كنت أسأله: هل رأى ربه تبارك وتعالى.

قال: إني قد سألته قلت: يا رسول الله: هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنّى أراه»

وفي رواية: رأيت نورا.

[تنبيهات]

الأول: قال جماعة: لم تنف عائشة وقوع الرؤية بحديث مرفوع، ولو كان معها لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرت من ظاهر الآية وما قالوه غفلة عن قولها: إنها سألت النبي صلّى الله عليه وسلم عن ذلك

فقالت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: إِنما رأَيتُ جبريل منهبطاً.

الثاني: من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبها على قدر عقلها، ومن حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه فهو مخطئ قليل الأدب.

الثالث: قول ابن الجوزي: «أن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء، فأجابه بما أجابه، ولو سأله بعد الإسراء لأجابه بالإثبات، ضعيف جدا، فإن عائشة رضي الله عنها سألته بعد الإسراء ولم تثبت لها الرؤية» .

الرابع: احتجاج عائشة بالآية خالفها فيه ابن عباس، فروى الترمذي وحسّنه من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: محمد رأى ربه. قلت: أليس الله تعالى يقول:

«لا تدركه الأبصار» ؟ قال: «ويحك، ذلك نوره إذا تجلّى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربّه مرّتين» . والحاصل أن المراد بالآية الإحاطة به عند رؤيته، لا نفي أصل رؤيته. وقال النووي:

المراد بالإدراك الإحاطة، والله تعالى لا يحاط به، وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة، وأما احتجاجها بقوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً [الشورى: ٥١] فالجواب عنه من أوجه: أحدها: أنه لا يلزم مع الرؤية وجود الكلام حال الرؤية، فيجوز وجود الرؤية من غير كلام، الثاني: أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة، الثالث: ما قال بعض العلماء إن المراد بالوحي هنا الكلام من غير واسطة، وأن القول وإن كان محتملا لكن الجمهور على أن المراد بالوحي هنا الإلهام والرؤيا في المنام وكلاهما يسمى وحيا. وأما قوله تعالى أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ. فقال الواحدي وغيره بمعناه غير مجاهر لهم بالكلام بل يسمعون كلامه تعالى من حيث لا يرونه، وليس المراد أن يكون هناك حجاب يفصل موضعا عن موضع، ويدل على تحديد المحجوب، فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب حيث لم ير المتكلّم.

الخامس: قول كعب: «وكلّمه موسى مرتين» ، فيه نظر. والحق أنه كلّمه أكثر منهما، كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه ١٧] وقوله عز وجل: