الباب الأول في تكثيره صلى الله عليه وسلّم اللبن في القدح
روى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإني كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدتّ يوما على طريقهم الذي يخرجون فيه فمر بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلّا ليستتبعني فمرّ ولم يفعل ثم مر عمر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل، فمر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال:«يا أبا هرّ» فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال:
«الحق» ومضى فتبعته، فدخل واستأذنت فأذن لي، فدخلت فوجدت لبنا في قدح، فقال:«من أين هذا اللّبن؟» فقالوا: أهدى ذلك فلان أو فلانة، فقال:«يا أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال:«الحق بأهل الصّفّة فادعهم لي» وقال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، فأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي، وإني لرسول فإذا جاءوا أمرني أن أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم، فدعوتهم، فأقبلوا وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال:«يا أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال:«خذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح أعطيه الآخر فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلّهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ وتبسّم، وقال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال:«بقيت أنا وأنت» ، قلت: صدقت يا رسول الله، قال:«اقعد فاشرب» فشربت فقال: «اشرب» فشربت حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا فأعطيته القدح فحمد الله عز وجل وسمّى وشرب الفضلة [ (١) ] .
[ (١) ] البيهقي ٧/ ٨٣، ٨٨، ٨/ ٥٥ والحاكم ٣/ ١٥ والبيهقي في الدلائل ٦/ ١٠١ وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم.