الباب الثاني والخمسون في سرية خالد بن الوليد رضي اللَّه تعالى عنه إلى العزّى
قال ابن سعد: ثم سرية خالد بن الوليد إلى العزّى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان، وكانت بيتا بنخلة. قال ابن إسحاق وابن سعد: وكان سدنتها وحجّابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، وكانت أعظم أصنام قريش وجميع كنانة. وذلك أن عمرو بن لحيّ كان قد أخبرهم أن الرّبّ يشتّي بالطائف عند اللات ويصيّف عند العزّى، فعظّموها وبنوا لها بيتا وكانوا يهدون إليها كما يهدون للكعبة. وروى البيهقي عن أبي الطفيل رضي اللَّه تعالى عنه: وكانت بيتا على ثلاث سمرات، انتهى.
قال محمد بن عمر، وابن سعد: وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة خالد بن الوليد إلى العزّى ليهدمها. فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه. قال ابن إسحاق: فلما سمع سادتها السّلمي بسير خالد إليها علّق عليها سيفه وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول:
يا عزّ شدّي شدّة لا شوى لها ... على خالد القي القناع وشمّري
يا عزّ إن لم تقتلي المرء خالدا ... فبوئي بإثم عاجل أو تنصري
قال أبو الطّفيل، ومحمد بن عمر، وابن سعد: فأتاها خالد فقطع السّمرات وهدمها ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره، فقال:«هل رأيت شيئا؟» قال: لا. قال:«فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها» . فرجع خالد وهو متغيّظ.
فلما رأيت السدنة خالدا انبعثوا في الجبل وهم يقولون: يا عزّى خبليه، يا عزّى عوّريه ولا تموتي برغم، فخرجت إليه [امرأة عجوز] سوداء عريانة ثائرة الرأس، زاد أبو الطفيل: تحثوا التراب على رأسها ووجهها. فضربها خالد وهو يقول:
يا عزّ كفر انك لا سبحانك ... إني رأيت اللَّه قد أهانك
فجزّ لها اثنتين، ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره فقال:«نعم، تلك العزّى قد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا» [ (١) ] .
[تنبيهان]
الأول: ذكر ابن إسحاق ومن تابعه هذه السرية بعد سرية خالد إلى بني جذيمة، وذكرها محمد بن عمر، وابن سعد، والبلاذري، وجرى عليه في المورد والعيون، وجزم به في الإشارة قبلها. وارتضاه في الزّهر وقال إن في الأول نظر من حيث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان قد وجد على خالد في أمر بني جذيمة ولا يتّجه إرساله بعد ذلك في بعث. والذي ذكره غير واحد،