الباب التاسع عشر في ما يؤثر عنه- صلى الله عليه وسلّم- من ألفاظه في مرض موته وآخر ما تكلم به
روى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جعل يتغشّاه الكرب فقالت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- وا كرب أبتاه فقال: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» ، ورواه الإمام أحمد وابن ماجة بلفظ إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله تبارك وتعالى بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة [ (١) ] .
وروى ابن سعد والشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أسمع أنه لا يموت نبيّ حتى يخير بين الدنيا والآخرة قالت: فأصابت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بحّة شديدة في مرضه فسمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: ٦٩] فظننت أنه خيّر.
وروى الإمام أحمد وابن سعد والشيخان والبيهقي عنها قالت: كان جبريل يعوّذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا مرض «وفي لفظ: كأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعوذ بهؤلاء الكلمات:
«اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، شفاء لا يغادر سقما» ، قالت: فلما ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخذت بيده فجعلت أمسحه بها وأعوّذه فنزع يده منّي.
زاد ابن سعد «ارفعي عني، فإنها إنما كانت تنفعني في المرة» .
وعند الحاكم من حديث أنس أنّ آخر كلمة يتكلم بها: جلال ربي الرفيع.
وروى النسائي والحارث بن أبي أسامة عنها قالت: أغمي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في حجري فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء بهذه الكلمات: «اذهب البأس رب الناس» ففاق فانتزع يده من يدي فقال: «بل اسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل» .
وروى ابن سعد عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- أن كعب الأحبار قدم زمن عمر فقال: يا أمير المؤمنين، ما كان آخر ما تكلم به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: سل عليّا فسأله فقال: الصلاة الصلاة فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء» .
وروى البلاذري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: كشف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الستر، فرأيته معصوبا في مرضه الذي مات فيه، فقال: اللهم هل بلغت ثلاثا ثم قال: لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح، أو ترى له.
[ (١) ] أخرجه أحمد ٣/ ١٤١.