نزلت، وقوله تعالى: بِالْحَقِّ متعلق بصدق، أو حال من الرّؤيا، وما بعدها تفسير لها لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ أي جميع شعورها وَمُقَصِّرِينَ شعورها، وهما حالان مقدرتان لا تَخافُونَ حال مؤكدة أو استئناف: أي لا تخافون بعد ذلك فَعَلِمَ في الصلح ما لَمْ تَعْلَمُوا من الصلاح فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي الدخول فَتْحاً قَرِيباً هو فتح خيبر، وتحقّقت الرّؤيا في العام القابل، ويأتي الكلام على تفسير بقيّة السّورة في الخصائص أن شاء الله تعالى.
[تنبيهات]
الأول: الحديبية: بحاء مهملة مضمومة، فدال مهملة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية مفتوحة. قال الإمام الشافعي- رحمه الله- وأهل اللغة وبعض أهل الحديث- رحمهم الله- التّحتيّة مخففة. وقال أكثر أهل الحديث مشددة. قال النووي- رحمه الله- فهما وجهان مشهوران.
وقال في المطالع: ضبطنا التخفيف عن المتقنين وأما عامة الفقهاء والمحدّثين فيشدّدونها. وقال البكري- رحمه الله- أهل العراق يشدّدون، وأهل الحجاز يخففون.
وقال النحّاس- رحمه الله- سألت كلّ من لقيت ممّن أثق بعلمه عن «الحديبية» فلم يختلفوا عن قراءتها مخففة.
قال أحمد بن يحيى [ (١) ]- رحمه الله- لا يجوز فيها غيره، ونصّ في البارع على التخفيف. وحكى التّشديد ابن سيده- رحمه الله- في المحكم، قال في تهذيب المطالع: ولم أره لغيره، وأشار بعضهم إلى أنّ التثقيل لم يسمع حتى يصح، ووجهه أن التّثقيل إنما يكون في المنسوب، نحو الإسكندريّة فإنها منسوبة إلى الإسكندر وأمّا الحديبية فلا تعقل فيها النّسبة، وياء النسبة في غير منسوب قليلة، ومع قلته موقوف على السماع. والقياس أن يكون أصلها حدباء بزيادة «ألف للإلحاق ببنات الأربعة، فلما صغرت انقلبت الألف ياء» ، وقيل: حديبة، وشهد لصحة هذا أقوالهم لييلة بالتّصغير، ولم يرد لها مكبّر فقدّره الأئمة ليلة لأن المصغّر فرع المكبّر، ويمتنع وجود فرع بدون أصله.
قال المحب الطبري- رحمه الله-: هي قريبة من مكة أكثرها في الحرم.
وفي صحيح البخاري عن البراء «الحديبية» بئر. قال الحافظ- رحمه الله- يشير إلى أنّ
[ (١) ] أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء، أبو العباس، المعروف بثعلب: إمام الكوفيين في النحو واللغة. كان راوية للشعر، محدثا، مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة، ثقة حجة. ولد ومات في بغداد. وأصيب في أواخر أيامه بصمم فصدمته فرس فسقط في هوة، فتوفي على الأثر سنة ٢٩١ هـ من كتبه «الفصيح و «قواعد الشعر» و «شرح ديوان زهير» ، انظر الأعلام ١/ ٢٦٧.