وعلى ذلك جرى محمد بن عمر وابن حزم وغيرهم، وقال ابن عقبة، وابن إسحاق: بضع عشرة ليلة. والله أعلم.
ذكر بعض آيات وقعت في رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من تبوك إلى المدينة
روى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: بينا نحن نسير مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في الجيش ليلا وهو قافل وأنا معه إذ خفق خفقة- وهو على راحلته فمال على شقه فدنوت منه فدعمته فانتبه، فقال:«من هذا؟» فقلت: أبو قتادة يا رسول الله، خفت أن تسقط فدعمتك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «حفظك الله كما حفظت رسوله» ثم سار غير كثير ثم فعل مثل ذلك هذا فدعمته فانتبه فقال: يا أبا قتادة، هل لك في التعريس؟» فقلت: ما شئت يا رسول الله، فقال:«انظر من خلفك» فنظرت فإذا رجلان أو ثلاثة، فقال «ادعهم» فقلت: أجيبوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجاءوا فعرسنا- ونحن خمسة- برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعي إداوة فيها ماء وركوة لي أشرب فيها، فنمنا فما انتبهنا إلا بحرّ الشمس، فقلنا: إنّا لله فاتنا الصبح، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لنغيظن الشّيطان كما غاظنا» فتوضأ من ماء الإداوة ففضل فضلة فقال: «يا أبا قتادة احتفظ بما في الإداوة والرّكوة، فإن لهما شأنا» وصلى- صلى الله عليه وسلّم- بنا الفجر بعد طلوع الشمس، فقرأ بالمائدة، فلما انصرف من الصلاة قال:«أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر لرشدوا» وذلك أن أبا بكر وعمر أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما، فنزلوا على غير ماء بفلاة من الأرض، فركب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلحق الجيش عند زوال الشمس ونحن معه. وقد كادت أعناق الخيل والرجال والركاب تقطّع عطشا، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالرّكوة فأفرغ ما في الإداوة فيها. ووضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى رووا، ورووا خيلهم، وركابهم، وكان في العسكر اثنا عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، والخيل اثنا عشر ألف فرس، فذلك قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «احتفظ بالرّكوة والإداوة» .
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: قالوا: وأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له: وادي الناقة- وقال ابن إسحاق: يقال له وادي المشقق- وكان فيه وشل يخرج منه في أسفله قدر ما يروي الراكبين أو الثلاثة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه» فسبقه إليه أربعة من المنافقين: معتّب بن قشير، والحارث بن يزيد الطائيّ حليف في بني عمرو بن عوف، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللّصيت، فلما أتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقف عليه فلم ير فيه شيئا. فقال «من سبقنا إلى هذا الماء؟» فقيل يا رسول الله فلان وفلان، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ألم أنهكم؟» فلعنهم ودعا