وروى الإمام أحمد من طريقين منها ثقات متصل اتصل إسنادهما عن أبي عبيدة- رضي الله تعالى عنه- قال: أخر ما تكلم به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أنّ شرار النّاس الّذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
وروى البخاريّ والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين يديه ركوة أو علبة وفيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، ثم نصب يده اليمنى فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده في الماء.
وروى ابن سعد والبيهقي وصححه الذهبي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاث يقول: «أحسنوا الظّنّ بالله» .
وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يموت وعنده قدح فيه ماء، يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: «اللهم أعنّي على سكرات الموت» .
وروى الإمام أحمد بسند قال ابن كثير: لا بأس به عنها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنه ليهوّن عليّ الموت، إني رأيت بياض كفّ عائشة في الجنة» [ (١) ] ورواه ابن سعد عن الشعبي مرسلا،
وهذا دليل على صحة محبته- عليه الصلاة والسلام- لعائشة.
[تنبيه في بيان غريب ما سبق:]
«الكرب» : بكاف مفتوحة فراء ساكنة فموحدة الغم.
«البحّة» : بموحدة فمهملة خشونة وغلظ في الصوت.
«الرّكوة» : [شبه تور من أدم وقال المطرزي: دلو صغير: وقال غيره: كالقصعة تتخذ من جلد، ولها طوق خشب] .
«العلبة» : بعين مهملة مضمومة فلام ساكنة فموحدة المراد به هنا قدح من خشب.
الرفيق قيل: هو اسم من أسماء الله تعالى.
قال الأزهري: وهو غلط، بل الرفيق ها هنا جماعة يسكنون أعلى عليين، اسم جاء على فعيل ومعناه: الجماعة من قوله تبارك وتعالى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: ٦٩] ويجوز أن يقال في الجماعة: هم لي صديق وعدو فتفرد، لأنه صفة الرّفيق، ويصح أن يقال: قومك
[ (١) ] أخرجه أحمد ٦/ ١٣٨.