[الباب الثالث في استسقاء أهل مكة بجده وهو معهم وسقياهم ببركته]
روى ابن سعد والبلاذري وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي عن رقيقة بنت أبي صيفي ابن هاشم وكانت لدة عبد المطلب قالت: تتابعت على قريش سنون جدبة أقحلت الجلد وأدقت العظم، فبينا أنا نائمة أو مهومة إذا هاتف يصرخ بصوت صحل يقول: يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث منكم قد أظلتكم أيامه وهذا إبان مخرجه فحي هلا بالحيا والخصب، ألا فانظروا رجلا منكم وسيطا عظاما جساما أبيض بضا أوطف الأهداب سهل الخدين أشم العرنين له فخر يكظم عليه وسنة يهتدى إليها، فليخلص هو وولده وولد ولده، وليدلف إليه من كل بطن رجل، فليشنوا من الماء وليمسوا من الطيب ثم يستلم الركن، وليطوفوا بالبيت سبعا ثم ليرتقوا أبا قبيس فليستق الرجل وليؤمن القوم، ألا وفيهم الطيب الطاهر فغثتم إذا ما شئتم.
قالت: فأصبحت مذعورة قد اقشعر جلدي ووله عقلي واقتصيت رؤياي فنمت في شعاب مكة، فما بقي أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد. وتتامت عنده قريش وانقض إليه من كل بطن رجل فشنوا من الماء ومسوا من الطيب واستلموا وطافوا ثم ارتقوا أبا قبيس فطفق القوم يدلفون حوله ما إن يدرك سعيهم مهلة، حتى قر لذروته، فاستكفوا جانبيه ومعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب فقام عبد المطلب فقال: اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة أنت عالم غير معلم ومسؤول غير مبخل وهذه عبادك وإماؤك بعذرات حرمك يشكون إليك سنتهم التي قد أقحلت الظلف والخف فأمطرنا اللَّه غيثا مريعا مغدقا. فما برحوا حتى انفجرت السماء بمائها وكظ الوادي بثجيجه فلسمعت شيخان قريش وهي تقول لعبد المطلب: هنيئا لك أبا البطحاء بك عاش أهل البطحاء.