قال محمد بن عمر: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة اجتهاده في العمل يضرب مرّة بالمعول ومرّة يغرف بالمسحاة التراب، ومرة يحمل التراب في المكتل، وبلغ منه التّعب يوما مبلغا فجلس، ثم اتّكأ على حجر على شقّه الأيسر فنام: فقام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على رأسه ينحّيان النّاس عنه، أن يمرّوا به، فينبّهوه، ثم استيقظ ووثب فقال: أفلا أفزعتموني! وأخذ الكرزن يضرب به ويقول:
اللهمّ إن العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
الّلهمّ العن عضلا والقارة ... فهم كلّفوني أنقل الحجارة
وعمل المسلمون في الخندق حتى أحكموه.
قال محمد بن عمر، وابن سعد: في ستّة أيّام.
وكان الخندق بسطة أو نحوها.
وأعقب بين عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش، فتكون عائشة عنده أياما، ثم تكون أمّ سلمة عنده أياما، ثم تكون زينب عنده أياما، فهؤلاء الثلاث اللّاتي يعقب بينهنّ في الخندق، وسائر نسائه في أطم بني حارثة، وكان حصينا، ويقال: كنّ في النّسر أطم في بني زريق، ويقال: كان بعضهنّ في فارع.
ذكر الآيات التي وقعت عند ظهور الصّخرة في الخندق
روى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والإمام أحمد بسند جيد عن البراء بن عازب، وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو بن عوف، وأبو نعيم عن أنس، والحارث والطبراني عن ابن عمر، والطبراني بسند جيد، عن ابن عباس، والبيهقي وأبو نعيم من طريقين عن ابن شهاب، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن إسحاق عن شيوخه:
أنّ المسلمين عرض لهم في بعض الخندق صخرة، وفي لفظ كدية عظيمة شديدة بيضاء مدوّرة، لا تأخذ فيها المعاول، فكسرت حديدهم، وشقّت عليهم، وفي حديث عمرو بن عوف: أنّها عرضت لسلمان.
وذكر محمد بن عمر أنّها تعرّضت لعمر بن الخطاب، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة تركية فقال: أنا نازل، ثم قام، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن