ويقال إنها غزوة العسرة والفاضحة: اختلف في سببها، فقيل أن جماعة من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة ذكروا للمسلمين أن الرّوم جمعوا جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معهم لخم وجذام وعاملة وغسّان وغيرهم من متنصّرة العرب، وجاءت مقدّمتهم إلى البلقاء ولم يكن لذلك حقيقة، ولمّا بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك ندب الناس إلى الخروج- نقله محمد بن عمر ومحمد بن سعد.
وروى الطبراني بسند ضعيف عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما قال: كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل/: إن هذا الرجل الذي قد خرج يدّعي النبوّة هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم. فإن كنت تريد أن تلحق دينك فالآن، فبعث رجلا من عظمائهم وجهّز معه أربعين ألفا فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر بالجهاد [ (١) ] .
وقيل: إنّ اليهود قالوا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا أبا القاسم إن كنت صادقا فالحق بالشام فإنّها أرض الأنبياء، فغزا تبوك لا يريد إلّا الشام. فلما بلغ، تبوك أنزل الله تعالى الآيات من سورة بني إسرائيل: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء ٧٦] رواه ابن أبي حاتم، وأبو سعد، النّيسابوري، والبيهقي بإسناد حسن.
وقيل: أن الله سبحانه وتعالى لما منع المشركين من قربات المسجد الحرام في الحج وغيره قالت قريش: لتقطعنّ عنا المتاجر والأسواق وليذهبنّ ما كنّا نصيب منها، فعوّضهم الله تعالى- عن ذلك بالأمر بقتال أهل الكتاب حتّى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التوبة ٢٨، ٢٩] وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة ١٢٣] وعزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قتال الروم، لأنّهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدّعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام رواه ابن مردويه عن ابن عباس وابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد، وابن جرير عن سعيد بن جبير.
[ (١) ] انظر المجمع ٦/ ١٩٤ وقال فيه العباس بن الفضل الأنصاري وهو ضعيف.