وإذا الكتيبة عرّدت أنيابها ... بالسّمهريّ وضرب كلّ مهنّد
فكأنّه ليث على أشباله ... وسط الهباءة خادر في مرصد
فاستعمله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على من أسلم من قومه، ومن تلك القبائل من هوازن وفهم وسلمة وثمالة. وكان قد ضوى إليه قوم مسلمون، واعتقد له لواء، فكان يقاتل بهم من كان على الشّرك ويغير بهم على ثقيف فيقاتلهم بهم، ولا يخرج لثقيف سرح إلا أغار عليه، وقد رجع حين رجع- وقد سرح الناس مواشيهم، وأمنوا فيما يرون حين انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عنهم، وكان لا يقدر على سرح إلا أخذه، ولا على رجل إلّا قتله، وكان يبعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالخمس مما يغنم، مرة مائة بعير، ومرّة ألف شاة، ولقد أغار على سرح لأهل الطائف فاستاق لهم ألف شاة في غداة واحدة.
ذكر مجيء أم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأبيه وأخيه من الرضاعة
روى أبو داود، وأبو يعلى، والبيهقي، عن أبي الطفيل- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما أحمل نضو البعير ورأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقيم بالجعرانة وامرأة بدوية، فلمّا دنت من النبي- صلى الله عليه وسلم- بسط لها رداءه فجلست عليه، فقلت: من هذه؟ فقالوا: أمّه التي أرضعته.
وروى أبو داود في المراسيل عن عمر بن السائب- رحمه الله تعالى- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالسا يوما، فجاء أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمّه فوضع لها شقّ ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ثم جاء أخوه من الرضاعة فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأجلسه بين يديه.
ذكر رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة
قال محمد بن عمر وابن سعد: انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بالجعرانة ثلاث عشرة ليلة، وأمر ببقايا السبي فحبس بمجنّة بناحية مرّ الظهران. قال في البداية والظاهر أنه- صلى الله عليه وسلم- إنما استبقى بعض المغنم ليتألّف به من يلقاه من الأعراب بين مكة والمدينة: فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا، فأحرم بعمرة من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى، ودخل مكة فطاف وسعى ماشيا، وحلق ورجع إلى الجعرانة من ليلته، وكأنه كان بائتا بها، واستخلف عتّاب- بالمهملة وتشديد الفوقية وبالموحدة- ابن أسيد بالدّال- كأمير- على مكة- وكان عمره حينئذ نيفا وعشرين سنة- وخلف معه معاذ بن جبل- زاد محمد بن عمر والحاكم: وأبا موسى الأشعري- رضي الله عنهم يعلّمان الناس القرآن