الباب السادس في الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه وكذا سائر الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-
قال القاضي:[فإن قيل: فما الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه وعلى غيره من الأنبياء على جميعهم السلام؟ وما الوجه فيما ابتلاهم الله به من البلاء، وامتحانهم بما امتحنوا به، كأيوب، ويعقوب، ودانيال، ويحيى، وزكريا، وعيسى، وإبراهيم، ويوسف، وغيرهم.
صلوات الله عليهم، وهم خيرته من خلقه وأحبّاؤه وأصفياؤه.
فاعلم- وفّقنا الله وإياك- أنّ أفعال الله تعالى كلّها عدل، وكلماته جميعها صدق، لا مبدّل لكلماته، يبتلي عباده كما قال تعالى لهم لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. ولِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا- وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا- وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ.
فامتحانه إياهم بضروب المحن زيادة في مكانتهم، ورفعة في درجاتهم، وأسباب لاستخراج حالات الصبر والرضا، والشكر والتسليم، والتوكّل، والتفويض، والدعاء، والتضرّع منهم، وتأكيد لبصائرهم في رحمة الممتحنين، والشفقة على المبتلين، وتذكرة لغيرهم، وموعظة لسواهم ليتأسّوا في البلاء بهم، فيتسلّوا في المحن بما جرى عليهم، ويقتدوا بهم في الصّبر، ومحو لهنات فرطت منهم، أو غفلات سلفت لهم، ليلقوا الله طيّبين مهذّبين، وليكون أجرهم أكمل، وثوابهم أوفر وأجزل.
حدثنا القاضي أبو عليّ الحافظ، حدثنا أبو الحسين الصّيرفيّ وأبو الفضل بن خيرون، قالا: حدثنا أبو يعلى البغداديّ، حدثنا أبو علي السنجي، حدثنا محمد بن محبوب، حدثنا أبو عيسى التّرمذي، حدثنا قتيبة، حدثنا حمّاد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشدّ بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرّجل على حسب دينه، فلما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة.