تعوّذا، وبذلك يتمّ التّوكّل ويسكن الاضطراب عند اختلاف الأسباب. وقال القرطبي: «وأصل الأقلام الموصوفة هنا، هي المعبّر عنها بالقلم المقسم به في قوله تعال: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [القلم: ١] ويكون القلم هذا للجنس» .
[التنبيه الثاني والثمانون:]
المناسبة بين المعراج العاشر وهو الرفرف حين لقى الله تعالى وحضر بحضرة القدس وقام مقام الأنس ورفع الحجاب وسمع الخطاب، وكان قاب قوسين أو أدنى لا بالصورة بل بالمعنى، أن العام العاشر اجتمع فيه اللقاءان: أحدهما: لقاء البيت وحجّ الكعبة ووقوف عرفة وإكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين، واللقاء الثاني: بقارب البيت وكانت فيه الوفاة واللقاء والانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء والعروج بالروح الكريمة إلى المقعد الصّدق وإلى الموعد الحق وإلى الوسيلة وهي المنزلة الرفيعة التي لا تنبغي إلا لعبد واحد اختاره الله تعالى وهو محمد صلى الله عليه وسلم كما
ورد في صحيح الخبر أنه سئل عن الوسيلة فقال: «درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله فأرجو أن أكون إياه
[ (١) ] ورجاؤه محقّق صلى الله عليه وسلم، وخاطره موفّق.
[التنبيه الثالث والثمانون:]
قال ابن دحية: خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤية والمكالمة لأنه صاحب الشفاعة يوم القيامة، فتوسّط قبلها لئلا يقع له حشمة البديهة كما يقع لغيره من الأنبياء فأراد الله سبحانه وتعالى أن يزيل عنه الانقباض قبل ذلك ليتمكن من المقام المحمود وأهّله قبل المشهد الأعلى للمشاهدة والكلام.
[التنبيه الرابع والثمانون:]
قوله تعالى: وأَعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت عَرْشي،
إلى آخر الحديث. قال التّوربشتي: ليس يعني بقوله: «أعطى» أنها أنزلت عليه بل المعنى أنه استجيب له فيما لقّن من الآيتين: غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: ٢٨٥] إلى قوله تعالى: أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [البقرة:
٢٨٦] ، ولمن يقوم بحقهما من السائلين» .
وقال الطيبي: «وفي كلامه إشعار بأن الإعطاء بعد الإنزال لأن المراد منه الاستجابة وهي مسبوقة بالطلب والسورة والمعراج كان بمكة، ويمكن أن يقال هذا من قبيل وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: ٣، ٤] وإنما أوثر الإعطاء لما عبّر عنه بكنز تحت العرش» .
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي» .
[ (١) ] أخرجه مسلم ١/ ٢٨٨ (١١- ٣٨٤) .