[الباب التاسع فيما أخبر به الأحبار والرهبان والكهان بأنه النبي المبعوث في آخر الزمان]
عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال:
كنت رجلا من أهل فارس، وفي رواية من أهل جيّ، وكان أبي دهقان رامهرمز، أي رئيسها، وكان يحبّني حبّا شديدا، حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار، أي خازنها وخادمها. وفي لفظ: وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق، فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئاً إلا ما أنا فيه، وأعرف إنهم ليسوا على شيء، وكان لي أخ اكبر مني. وفي لفظ: ابن صاحب رامهرمز، فكان إذا قام من مجلسه خرج فتقنّع بثوبه ثم صعد الجبل، وكان يفعل ذلك غير مرة متنكراً، فقلت: أما إنّك تفعل كذا وكذا، فلم لا تذهب بي معك؟ قال: إنك غلام وأخاف أن يظهر منك شيء. قلت: لا تخف. قال:
فإن في هذا الجبل قوماً في برطيل لهم عبادة وصلاح، يذكرون الله تعالى ويذكرون الآخرة، ويزعمون أنّا عبدة الأوثان والأصنام وعبدة النيران وأنّا على غير دين. قلت: فاذهب بي معك.
قال: حتى استأمرهم وأنا أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم أبي فيقتلهم فيجري هلاكهم على يدي. قال: قلت لا يظهر منّي ذلك. فاستأمرهم. فقالوا جيء به فذهبت معه فانتبهت إليهم فإذا هم ستة أو سبعة، وكأن الروح خرجت منهم من العبادة، يصومون النهار ويقومون الليل يأكلون الشجر وما وجدوا، فقعدنا إليهم فحمدوا الله وأثنوا عليه وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى عيسى ابن مريم فقالوا: بعثه الله وولد بغير ذكر، بعثه رسولاً وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص، فكفر به قوم وتبعه قوم، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه. ثم قالوا: يا غلام أن لك ربا وإن لك معاداً، وإنّ بين يديك جنة وناراً إليها تصير، وإنّ هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله بما يصنعون، وليسوا على دين.
ثم انصرفنا ثم عدنا إليهم فقالوا مثل ذلك وأحسن، فلزمتهم فقالوا لي: يا سلمان إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع ما نصنع، فصلّ ونم وكل واشرب.
قال: فاطّلع الملك على صنيع ابنه فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم فقال:
يا هؤلاء قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءاً فعمدتم [ (١) ] إلى ابني فأفسدتموه عليّ قد أجّلتكم ثلاثاً، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا،