الباب الخامس في سبب دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم واستخفاء المسلمين حال عبادتهم ربّهم تبارك وتعالى
دخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم يعبد اللَّه تعالى فيها سرّا من قومه، ودخل معه جماعة حتى تكامل المسلمون أربعين رجلا وكان آخرهم عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، فلما تكاملوا أربعين رجلا خرجوا فلما أسلم عمر
قال: يا رسول اللَّه علام نخفي ديننا ونحن على الحق ويظهر دينهم وهم على الباطل؟ فقال: يا عمر إنا قليل. فقال عمر:
فو الذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان.
وسيأتي بسط ذلك في إسلام عمر رضي اللَّه تعالى عنه.
روى الحافظ أبو الحسن سليمان بن خيثمة الأطرابلسي عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: لمّا اجتمع أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألحّ أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في الظهور، فقال: يا أبا بكر إنا قليل.
فلم يزل أبو بكر يلحّ حتى ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وتفرّق المسلمون في نواحي المسجد كلّ رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا، ووطئ أبو بكر وضرب ضربا شديدا، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرّقهما لوجهه من على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وجاءت بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكّون في موته ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: واللَّه لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة. فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلّمون أبا بكر حتى أجاب فتكلم في آخر النهار فقال: ما فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فمسّوا منه بألسنتهم وعذلوه وقالوا لأمه أم الخير انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه. فلما خلت به ألحّت عليه وجعل يقول: ما فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: واللَّه ما لي علم بصاحبك فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه. فخرجت حتى جاءت أمّ جميل فقالت: أن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله. فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك. فقالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا فدنت أمّ جميل وأعلنت بالصياح وقالت: واللَّه إنّ قوما نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر وإني لأرجو أن ينتقم اللَّه منهم. قال: فما فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا شيء عليك