قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم مجنّة وعكاظ وفي المواسم بمنى يقول: «من يؤويني؟ ومن ينصرني؟ حتى أبلّغ رسالات ربي وله الجنة» ، فلا يجد أبدا أحدا يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن، فيأتيه قومه وذوو رحمه فيقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك يمضي بين رحالهم، وهم يشيرون إليه بأصابعهم، حتى بعثنا الله إليه من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم تبق دار من دور يثرب إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام. ثم بعثنا الله تعالى فأتمرنا واجتمعنا فقلنا:
متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده، فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟ قال:«تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنّة» .
«فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين رجلا إلا أنا فقال: رويدا يا أهل يثرب. فإنا لم نضرب إليه أكباد المطيّ إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافّة وقتل خياركم وأن تعضّكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على عضّ السيوف إذا مسّتكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافّة، فخذوه، وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه فهو أعذر لكم عند الله.
فقلنا: ابسط يدك يا أسعد بن زرارة، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. فقمنا إليه نبايعه رجلا رجلا، يأخذ علينا شرطه ويعطينا على ذلك الجنة» ، رواه الإمام أحمد والبيهقي.
وروى ابن إسحاق عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: «خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين وقد صلّينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور سيّدنا وكبيرنا- زاد الحاكم- وكنا خمسمائة، حتى إذا كنا بظاهر البيداء قال: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا، وو الله ما أدري أتوافقونني عليه أم لا. فقلنا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت ألّا أدع هذه البنيّة منّي بظهر- يعني الكعبة- وأن أصلّي إليها. قال: فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه، فقال: إني لمصلّ إليها. فقلنا له: لكنّا لا نفعل. قال فكنّا إذا حضرت الصلاة صلّينا