للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليث كلهم يشهدون أنّ القتيل ما جلّي قط فلأبطلن دمه. فلما قال ذلك قبلوها. ومحلّم القاتل في طرف الناس، فلم يزالوا يؤزونه ويقولون: ائت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستغفر لك، فقام محلم وهو رجل ضرب طويل آدم. محمر بالحناء عليه حلّة قد كان تهيأ فيها للقتل للقصاص،

فجلس بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله، قد كان من الأمر الذي بلغك وإني أتوب إلى الله، فاستغفر لي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «ما اسمك» قال: أنا محلم بن جثامة. فقال «أقتلته بسلاحك في غرّة الإسلام؟! اللهم لا تغفر لمحلّم» بصوت عال ينفذ به الناس، قال فعاد محلّم فقال: يا رسول الله، قد كان الّذي بلغك، وإني أتوب إلى الله فاستغفر لي، فعاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم لمقالته بصوت عال، ينفذ به النّاس «اللهمّ لا تغفر لمحلّم بن جثامة» حتّى كانت الثالثة، فعاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم لمقالته، ثم قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم «قم من بين يدي» فقام من بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يتلقّى دمعه بفضل ردائه،

فكان ضمرة السلمي يحدث- وقد كان حضر ذلك اليوم- قال: كنا نتحدث فيما بيننا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حرّك شفتيه بالاستغفار له، ولكنه أراد أن يعلم الناس قدر الدمّ عند الله تعالى [ (١) ] .

[ذكر البشير الذي قدم المدينة بهزيمة هوازن]

روى محمد بن عمر عن داود بن الحصين قال: كان بشير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أهل المدينة بفتح الله- تعالى- عليه وهزيمة هوازن، نهيك بن أوس الأشهلي، فخرج في ذلك اليوم ممسيا، فأخذ في أوطاس حتّى خرج على غمرة، فإذا الناس يقولون هزم محمد هزيمة لم يهزم هزيمة مثلها قط، وظهر مالك بن عوف على عسكره، قال: فقلت الباطل يقولون، والله لقد ظفّر الله- تعالى- رسوله- صلى الله عليه وسلّم وغنّمه نساءهم وأبناءهم، قال: فلم أزل أطأ الخبر حتى انقطع بمعدن بني سليم أو قريبا منها، فقدمت المدينة وقد سرت من أوّل أوطاس ثلاث ليال وما كنت أمسي على راحلتي أكثر مما كنت أركبها فلما انتهيت إلى المصلّى ناديت: أبشروا يا معشر المسلمين بسلامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، ولقد ظفّره الله- تعالى- بهوازن، وأوقع بهم، فسبى نساءهم، وغنم أموالهم، وتركت الغنائم في يديه تجمع، فاجتمع النّاس يحمدون الله- تعالى- علي سلامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، ثم انتهيت إلى بيوت أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبرتهن، فحمدن الله- تعالى- علي ذلك.

قال وكانت الهزيمة الأولى التي هزم المسلمون ذهبت في كل وجه حتى أكذب الله- تعالى- حديثهم.


[ (١) ] انظر المغازي ٣/ ٩٢٠.