للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكاف بفاءين بينهما واو- المحبوس.

[التنبيه الحادي والثلاثون:]

استفتاح جبريل باب السماء يحتمل أن يكون بقرع أو صوت. قال الحافظ: «والأشبه الأول لأنه صوت معروف» . قلت: في حديث ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه: «فقرع الباب» . قال ابن دحية: وفي استفتاح جبريل لأبواب السماء دليل على أنه صادف أبوابها مغلقة، وإنما لم تهيّأ للنبي صلى الله عليه وسلم بالفتح قبل مجيئه، وإن كان أبلغ في الإكرام، لأنه لو رآها مفتّحة لظنّ أنها لا تزال كذلك، ففعل ذلك ليعلم أن ذلك فعل من أجله، وأن الله تعالى أراد أن يطلعه على كونه معروفا عند أهل السموات، وقول أمين الوحي لما قبل له: من هذا؟ «جبريل» : سمّى نفسه لئلا يلتبس بغيره ولا يحتاج إلى موقف للمراجعة في المرّة، فإنه معهود عندهم نزوله وصعوده ولذلك قدّم اسمه لأنه الرسول بإحضار النبي صلى الله عليه وسلم.

واستنبط ابن دحية وتبعه ابن المنير من قول الملك: «مرحبا» إلى آخره، جواز ردّ السلام بغير لفظه. وتعقّبا بأن قول الملك: مرحبا، ليس ردّ السلام، فإنه كان قبل أن يفتح الباب، والسياق يرشد إليه. وقد نبه على ذلك ابن أبي جمرة. ووقع في رواية إن جبريل قال له عند كل نبيّ: «سلّم عليه» ، فردّ عليه السلام.

[التنبيه الثاني والثلاثون:]

ينبغي للمستأذن إذا قيل له هذا أن يسمّي نفسه فيقول: محمد الشامي مثلا، ولا يقتصر على قوله: محمد، مثلا، لأن المسمّى بمحمد كثير، فيشتبه عليه، ولا يقول: «أنا» فإن جبريل ههنا لم يقل: «أنا» ، بل سمّى نفسه، ولم يرد أن أحدا من الملائكة سمّى جبريل غير أمين الله تعالى على وحيه.

وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الذي استأذن عليه فقال:

«من هذا؟» فجعل يقول: «أنا» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أنا إنكارا لذلك

[ (١) ] . وكرهت هذه اللفظة لوجهين: أحدهما أن فيها إشعارا بالعظمة. وفي الكلام السائر أول من قال: أنا إبليس فشقي حيث قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، [الأعراف: ١٢] ، وتعس فرعون حيث قال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النزعات: ٢٤] والثاني أنها مبهمة لافتقار الضمير إلى العود، فهي غير كافية في البيان، والضمير إذا عاد وتعيّن مضمرة كان أعرف المعارف، والمستأذن محجوب عن المستأذن عليه غير متعيّن عنده فكأنه أحاله على جهالة.

[التنبيه الثالث والثلاثون:]

قول الخازن: «وقد بعث إليه؟» أراد الاستفهام فحذف الهمزة للعلم بها أي: «أو قد بعث إليه؟» قال العلماء: ليس هذا الاستفهام عن البعث الذي هو الرسالة لأنه كان مشهورا في الملكوت الأعلى، بل البعث للمعراج، وقيل: بل سألوا تعجبا من


[ (١) ] أخرجه البخاري ١١/ ٣٧ (٦٢٥٠) .