شابا جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، فلقد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وبلغهم دعوته، فصدق به بعضهم وكذب آخرون، وكان عمه أبو لهب هو وزوجته من أشد الناس قسوة عليه، فقد هتف به أبو لهب قائلا: تبا لك، ألهذا دعوتنا؟ فنزل قوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ.. (إلى آخر سورة المسد) .
[الدعوة العامة]
وكانت هذه الخطوة في الدعوة تنفيذا لقول الله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (الحجر ٩٤) فانطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على إثر نزول هذه الآية يجاهر بالدعوة، يدعو السادة والعبيد، والغرباء والأقربين، ثم يتجاوز مكة إلى البلاد الأخرى.
وقد تناول الكتاب كل جوانب حياة المصطفى صلّى الله عليه وسلم من حيث حياته البشرية وحياة أزواجه وحياة بنيه وحياة صحابته، ومن حيث تعبده وصلاته وصفاته الخلقية والخلقية، وقد جمع في ذلك فأوعى. وصلّى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[السيرة بين السلف والخلف]
لقد نالت حياة النبي صلى الله عليه وسلم بما حفلت به من أقوال وأفعال وتقريرات عناية العلماء قديما وحديثا، وكان تأليف العلماء في السيرة قديما يحمل طابعا يرغب عنه الجم الغفير من مسلمي العصر الحديث الذين لم يكن لهم إلمام علمي واسع رغبة في مطالعة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا بدا من اللجوء إلى الكتابات العصرية في السيرة النبوية وكان من أفضل بما نبه على ذلك المفكر الإسلامي الكبير أنور الجندي مبيّنا ما لها من مميزات وعيوب، وقد آثرنا إثبات ما نشر عنه في مؤتمر السيرة النبوية برمّته تتميما للفائدة» ، فقال:
إن العمل الذي قام به الكتاب العصريون لتقديم السيرة النبوية. قد أدى دورا لا بأس به، وأحدث آثارا طيبة في نفوس المسلمين. ولكنه لم يكن عملا أصيلا على طريق التطور الطبيعي لكتابة السيرة من منطق المفهوم الإسلامي الجامع القائم على أساس التقدير الكامل للوحي والنبوة والغيبات والمعجزات.
ومن هنا كان عجزه وقصوره الذي جعله في تقدير الباحثين قائما على التبعية والاحتواء للمناهج الغربية التي لم تكن عمليتها إلا مظهرا خادعا يخفي من ورائه الأهواء والخلافات بين الأديان ونزعة الاستعلاء الغربية ومطامع النفوذ الغربي في السيطرة على الفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي حتى لا يحقق ابتعاثه الأصيل هدفا يجدد حضارة الإسلام ويفتح الطريق لقيام المجتمع الإسلامي.