إليك أبدا حتى أستأصلكم. فرأيتك قد كرهت لقاءنا، واعتصمت بالخندق، ولك منّي يوم كيوم أحد، تبقر فيه النّساء.
وبعث بالكتاب مع أبي أسامة الجشميّ، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أما بعد، فقد أتاني كتابك، وقديما غرّك بالله الغرور، وأما ما ذكرت من أنك سرت إلينا [في جمعكم] ، وأنّك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر يحول الله تعالى بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة، وليأتينّ عليك يوم أكسر فيه اللّات والعزّى وإساف ونائلة وهبل، حتى أذكّرك ذلك يا سفيه بني غالب!»
[ذكر ما أنزل الله تبارك وتعالى في شأن هذه الغزوة من سورة الأحزاب]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ من الكفار فتحزّبوا أيّام حفر الخندق فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها ملائكة وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بالتاء من حفر الخندق وبالياء من تخريب المشركين بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ من أعلى الوادي ومن أسفله، من المشرق والمغرب وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ مالت عن كل شيء إلا عدوّها من كل جانب وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ جمع حنجرة، وهي منتهى الحلقوم من شدّة الخوف وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا المختلفة بالنّصر واليأس هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً
من شدّة الفزع وَاذكر إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ضعف اعتقاد ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بالنصر إِلَّا غُرُوراً باطلا. وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أي المنافقون يا أَهْلَ يَثْرِبَ هي المدينة ولم تنصرف للعلمية ووزن الفعل لا مُقامَ لَكُمْ بضم الميم وفتحها أي لا إقامة ولا مكانة فَارْجِعُوا إلى منازلكم من المدينة، وكانوا خرجوا مع النبي إلى سلع: جبل خارج المدينة، للقتال وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ في الرجوع يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ غير حصينة نخشى عليها. قال تعالى: وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ ما يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً من القتال وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ أي المدينة مِنْ أَقْطارِها نواحيها ثُمَّ سُئِلُوا أي سألهم الداخلون الْفِتْنَةَ الشّرك لَآتَوْها بالمدّ والقصر أي أعطوها وفعلوها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا عن الوفاء به قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً إن فررتم لا تُمَتَّعُونَ في الدنيا بعد فراركم إِلَّا قَلِيلًا بقية آجالكم قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ يجيركم مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً هلاكا وهزيمة أَوْ يصيبكم بسوء إن أَرادَ الله بِكُمْ رَحْمَةً خيرا