وكانت عائشة وأم سليم رضي الله عنهما تسقيان النّاس، كما في الصحيح عن أنس قال: لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وإنّهما لمشمّرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب، وفي لفظ تنقلان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتحلّانها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم.
وروى البخاري عن ثعلبة بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيّد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك- يريد أم كلثوم بنت عليّ- فقال عمر: أمّ سليط أحقّ به، وأم سليط من نساء الأنصار ممّن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: فإنّها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد. انتهى. وأمّ سليط هذه والدة أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[ذكر تمثيل نساء المشركين: هند بنت عتبة ومن معها بقتلى المسلمين]
قال ابن إسحاق: حدّثني صالح بن كيسان قال: وقفت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدعن الأذن والأنف، حتى اتّخذت هند من آذان الرجال وأنافيهم خدما وقلائد.
[ذكر رجوع المشركين إلى مكة]
قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما: لمّا تحاجز الفريقان أراد أبو سفيان الانصراف، فأقبل على فرس حتى أشرف على المسلمين في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته: أفي القوم محمد؟ ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تجيبوه» ، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تجيبوه» ، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تجيبوه» ،
ولم يسأل عن هذه الثلاثة إلا لعلمه وعلم قومه أنّ قيام الإسلام بهم، فقال أبو سفيان بعد أن رجع إلى أصحابه: إن هؤلاء قد قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه!
وفي حديث ابن عباس وعند الإمام أحمد والطبراني والحاكم: أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، ألا أجيبه؟ قال:«بلى» . قال في الفتح: كأنه نهى عن إجابته في الأول وأذن فيها في الثّالثة، فقال عمر: كذبت يا عدو الله، قد أبقى الله لك ما يخزيك، إنّ الذين عددت لأحياء كلّهم، فقال أبو سفيان: اعل هبل، وأظهر دينك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب:«قم يا عمر فأجبه» ، فقال: الله أعلى وأجلّ، فقال أبو سفيان: اعل هبل، وأظهر دينك، فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، ألا إنّ الأيّام دول، وإن الحرب سجال، وفي لفظ: سمال.