أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة بن الأسود، وعقيل بن الأسود، والحارث بن زمعة، وكان يحب أن يبكي على بنيه، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلام له، وقد ذهب بصره:
انظر هل أحد انتحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ لعليّ أبكي على أبي حكيمة- بضم الحاء المهملة وفتح الكاف- يعني زمعة فإنّ جوفي قد احترق، فلمّا رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلّته. قال عبّاد: فذاك حين يقول الأسود:
تبكّي أن يضلّ لها بعير ... ويمنعها من النّوم السّهود
فلا تبكي على بكر ولكن ... على بدر تقاصرت الجدود
على بدر شراة بني هصيص ... ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكّي إن بكيت على عقيل ... وبكّي حارثا أسد الأسود
وبكّيهم ولا تسمي جميعا ... وما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال ... ولولا يوم بدر لم يسودوا
قال الزبير بن بكّار: يريد أبا سفيان بن حرب، كان رأس قريش في سيرهم إلى أحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على الأسود هذا بأن يعمي الله تعالى بصره، ويثكل ولده، فاستجاب الله تعالى سبق العمى إلى البصر أولا، ثم أصيب يوم بدر بمن نفاه من ولده، فتمّت إجابة الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فيه.
[ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر]
روى البيهقي عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر، عن عبد الرحمن- رجل من أهل صنعاء- قال: أرسل النجاشي ذات يوم إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فدخلوا عليه، وهو في بيت عليه خلقان، جالس على التراب. قال جعفر بن أبي طالب: أشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحالة، فلما أن رأى ما في وجوهنا. قال: إني أبشّركم بما يسرّكم، إنه قد جاءني من نحو أرضكم عين لي، فأخبرني أن الله تعالى قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك عدوه فلان وفلان التقوا بواد يقال له: بدر، كثير الأراك، كأني أنظر إليه، كنت أرعى به لسيدي- رجل من بني ضمرة- إبله، فقال له جعفر: ما بالك جالس على التراب ليس تحتك بساط، وعليك هذه الأخلاق؟ قال: إنا نجد فيما أنزل الله تعالى على عيسى صلى الله عليه وسلم إن حقّا على عباد الله تعالى أن يحدثوا لله عز وجل تواضعا، عند ما يحدث لهم نعمة، فلما أحدث الله تعالى نصر نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثت له هذا التواضع.