للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمؤمنون حتى إن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه، وحتى إن المرأة لتعرض عن زوجها، فمكثوا كذلك أياما حتى ركب الذين تخلفوا، وجعلوا يعتذرون إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالجهد والأسقام، ويحلفون له فرحمهم وبايعهم واستغفر لهم.

ذكر حديث كعب بن مالك وأصحابه- رضي الله عنهم-

روى ابن إسحاق، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والشيخان عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت عن غزوة بدر ولم يعاتب الله أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر- وفي رواية: وإن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها. كان من خبري أني لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريد غزوة إلا ورّى بغيرها، وكان يقول: «الحرب خدعة» حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعددا كثيرا، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم- وفي لفظ أهبة عدوهم- فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كثيرون- وعند مسلم يزيدون على عشرة آلاف [ (١) ] .

وروى الحاكم في الإكليل عن معاذ- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا [ (٢) ] ، وقال أبو زرعة الرازي: لا يجمعهم كتاب حافظ- قال الزهري: يريد الديوان، قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلّا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله تعالى.

وغزا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلك الغزوة حين طابت الثمار والغلال في قيظ شديد، في حال الخريف والناس خارفون في نخليهم، وتجهّز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتجهّز المسلمون معه، فخرج في يوم الخميس وكان يحبّ إذا خرج في سفر جهاد أو غيره أن يخرج يوم الخميس، فطفقت أغدوا لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، وفي رواية: وأنا أقدر شيئا في نفسي على الجهاد وخفة الجهاد، وأنا في ذلك أصبو إلى الظلال


[ (١) ] أخرجه البخاري ٨/ ١١٣ (٤٤١٨) ومسلم ٤/ ٢١٢٠- ٢١٢٨ (٥٣) ، والبيهقي في الدلائل ٥/ ٢٧٣، والمغازي للواقدي ٣/ ٩٩٧ والبداية ٥/ ٢٣.
[ (٢) ] انظر البداية ٥/ ٢٣.