للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سادسا: تطور جديد: التفسير الماركسي للسيرة:]

ثم جاء بعد ذلك تطور جديد في كتابة السيرة العصرية، وهو إخضاعها للتفسير الماركسي على النحو الذي كتبه عبد الرحمن الشرقاوي تحت اسم (محمد رسول الحرية) .

وقد قال الشيخ محمد أبو زهرة في توصيف هذا العمل: إن الكتاب كان له اتجاه غير ديني في دراسته فهو ما درس محمدا صلى الله عليه وسلم على أنه رسول يوحى إليه بل على أنه رجل عظيم له آراء اجتماعية فسرها الكاتب على ما يريد، وقد تبين أنّ الكاتب يقطع النبي صلى الله عليه وسلم عن الوحي فكل ما كان من النبي من مبادئ وجهاد في سبيله إنما هي من عنده لا بوحي من الله تعالى.

وهي بمقتضى بشريته لا بمقتضى رسالته والعنوان (إنما أنا بشر مثلكم) يعلن أن ما وصل إليه النبي صلى الله عليه وسلم من مبادئ جاهد من أجلها إنما هو صادر عن بشرية كاملة لا عن نبوة، وقد اقتطع هذه الجملة مما قبلها وما بعدها ونصها الصحيح قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وهو بهذا الاقتطاع ينفي الوحي عن الحياة المحمدية.

كذلك فهو ينفي الخطاب السماوي للرسول ولا يذكر أنّ جبريل خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في العيان. وتصويره للوحي بأنّه حلم في النوم يخالف ما أجمع عليه المسلمون من أن جبريل كان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالعيان لا في المنام، الأمر الذي تردد ذكره في القرآن على أنه رسول الله إلى الذين يصطفيهم من الأنبياء ليبلغ الرسالة الإلهية لأهل الأرض. كذلك فهو يقطع الرسالة عن الرسول ويقطع الوحي عنه ويتجه إلى القرآن فيذكر عباراته أحيانا منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنها من تفكيره ومن قوله لا أنها قرآن موحى بها وقائله هو الله سبحانه وأنّ ذلك مبثوث في الكتاب بكثرة وهو ينسب بعض آي القرآن إلى النبي، وكذلك ينسب إبطال التبني إلى النبي ولا ينسبه إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك ينسب تحريم الخمر إلى النبي، كما أنه يذكر قصص القرآن على أنه نتيجة تجارب النبي صلى الله عليه وسلم وما كانت قصص النبي إلا من القرآن وما كانت له رحلات في بلاد العرب بل إنه لم يخرج من الحجاز إلا مرتين إحداهما في الثانية عشرة والثانية في الخامسة والعشرين. ويرى الكاتب أنّ القرآن من كلام محمد ولم يذكر قط على وجه التصريح أن الله تبارك وتعالى هو منزل القرآن وباعث محمد بالرسالة بل إنّ ذكر الله تبارك وتعالى يندر في الكتاب بل لا تجد له ذكرا قط ولم يذكر القرآن إلا نادرا بل لا تكاد تجد له ذكرا قط، وإذا ذكر آية ذكر أنها همهمة نفس النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يذكر كلمة القرآن على أنه منسوب لله، في مقام يومئ بالتشكيك في صدقه ويوهم بأنّ به تحريفا وتبديلا ومحاولة التقاط من واحد ممن كانوا يشتركون مع العشرات في كتابة الوحي لإثارة هذه الشبهة.

ولقد كان هذا التطور في كتابة السيرة نتيجة للأدوار التي مرت بها على أيدي السابقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>