[ذكر محاورة عمرو بن سعدى اليهودي في أمر النبي صلى الله عليه وسلم]
قال محمد بن عمر: حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال:
لما خرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو بن سعدى وطاف بمنازلهم فرأى خرابا، ففكّر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة لصلاتهم، فنفخ في بوقهم فاجتمعوا. فقال الزّبير- وهو بفتح الزاي وكسر الموحدة- ابن باطا القرظيّ: يا أبا سعيد، أين كنت منذ اليوم؟
لم أرك. وكان لا يفارق الكنيسة، وكان يتألّه في اليهودية. قال:«رأيت اليوم عبرا عبّرنا بها، رأيت دار إخواننا خالية بعد ذلك العزّ والجلد والشّرف الفاضل والعقل البارع قد تركوا أموالهم، وملكها غيرهم، وخرجوا خروج ذلّ، ولا والتّوراة ما سلط هذا على قوم قطّ، والله بهم حاجة، وقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف بياتا في بيته آمنا، وأوقع بابن سنينة سيّد يهود، وأنجدهم وأجلدهم، وأوقع ببني قينقاع، فأجلاهم وهم أهل جدّ يهود، وكانوا أهل عدّة وسلاح ونجدة، فحصرهم فلم يخرج إنسان رأسه حتى سباهم، فكلّم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب، يا قوم، لقد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتّبع محمدا، فو الله إنكم لتعلمون أنه نبيّ وقد بشّرنا به علماؤنا، آخرهم ابن الهيّبان أبو عمير، وابن جوّاس وهما أعلم يهود، جاءانا من بيت المقدس يتوكّفان قدومه، ثم أمرانا باتباعه، وأن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على دينهما ودفنا بحرّتنا هذه» ، فأسكت القوم فلا يتكلم منهم متكلم، فأعاد الكلام أو نحوه، وخوّفهم بالحرب والسّباء والجلاء.
فقال الزّبير بن باطا:«والتوراة قد قرأت صفته في التوراة، التي نزلت على موسى، ليس في المثاني التي أحدثنا» ، فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتّباعه؟ قال:
أنت يا كعب، قال كعب: ولم؟ والتّوراة ما حلت بينك وبينه قطّ، قال الزّبير: بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا، فإن اتبعته اتّبعناه، وإن أبيت أبينا.
فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال: أما والتوراة التي أنزلت على موسى يوم طور سينا إنه للعزّ والشّرف في الدنيا، وأنه لعلى منهاج موسى، وينزل معه وأمته غدا في الجنة. قال كعب: نقيم على عهدنا وعقدنا فلا يخفر لنا محمد ذمّة، وننظر ما يصنع حييّ، فقد أخرج إخراج ذلّ وصغار، فلا أراه يقرّ حتى يغزو محمدا، فإن ظفر بمحمد فهو ما أردنا، وأقمنا على ديننا وإن ظفر بحييّ فما في العيش خير، وتحوّلنا من جواره.
قال عمرو بن سعدى: ولم نؤخّر الأمر وهو مقبل؟ قال كعب: ما على هذا فوق، متى أردت هذا من محمد أجابني إليه. قال عمرو، والتوراة، إن عليه لغوثا، إذا سار إلينا محمد فتخبأنا في حصوننا هذه التي قد خدعتنا، فلا نفارق حصوننا حتى ننزل على حكمه، فيضرب