العذاب عنهم لأجله صلّى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ فوقعت البركات وإدرار الأرزاق والأقوات. ومن أعظمها منّته على عباده لهدايته عليه الصلاة والسلام لهم إلى صراط الله المستقيم.
الوجه الثالث: ما في شريعته صلى الله عليه وسلم من شبه الحال، ألا ترى أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها إذ ليس فيه برد مزعج ولا حرّ مقلق، وليس في ليله ولا نهاره طول خارق، بل كله معتدل وفصله سالم من العلل والأمراض والعوارض التي يتوقعها الناس في أبدانهم في زمان الخريف، بل الناس فيه تنتعش قواهم وتنصلح أمزجتهم وتنشرح صدورهم لأن الأبدان يدركها فيه من أمداد القوة ما يدرك النبات حين خروجه، إذ منها خلقوا، فيطيب ليلهم للقيام ونهارهم للصيام، لما تقدم من اعتداله في الطول والقصر والحر والبرد، فكان في ذلك شبه الحال بالشريعة السمحة التي جاء بها صلوات الله وسلامه عليه من رفع الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا.
الوجه الرابع: أنه قد شاء الحكيم سبحانه وتعالى أنه صلى الله عليه وسلم تتشرف به الأزمنة والأمكنة لا هو يتشرف بها، بل يحصل للزمان أو المكان الذي يباشره عليه الصلاة والسلام الفضيلة العظمى والمزيّة على ما سواه من جنسه إلا ما استثنى من ذلك لأجل زيادة الأعمال فيها وغير ذلك، فلو ولد صلى الله عليه وسلم في الأوقات المتقدم ذكرها لكان قد يتوهم أنه يتشرف بها فجعل الحكيم جل جلاله مولده صلى الله عليه وسلم في غيرها ليظهر عظيم عنايته سبحانه وتعالى وكرامته عليه.
[الفصل الثاني: في مكانه:]
اختلف: هل ولد بمكة أو غيرها؟ والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول.
وعليه فاختلف في مكانه من مكة على أقوال:
أحدها: في الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المولد في شعب مشهور بشعب بني هاشم. وكانت بيد عقيل. قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبها عقيل بن أبي طالب فلم تزل بيده حتى توفي عنها فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج، وقيل إن عقيلاً باعها بعد الهجرة تبعاً لقريش حين باعوا دور المهاجرين.
الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم ولد في شعب بني هاشم. حكاه الزبير.