اعلم رحمني الله وإياك أن في حديث كل من الصحابة السابق ذكرهم في الباب السابع ما ليس في الآخر، فاستخرت الله تعالى وأدخلت حديث بعضهم في بعض ورتبت القصة على نسق واحد، لتكون أحلى في الآذان الواعيات، وليعمّ النفع بها في جميع الحالات. فإن قلت إن أحاديث المعراج كل حديث منها مخالف للآخر. فقد يكون المعراج تعدّد بعددها فلم جعلت الكلّ قصّة واحدة؟.
فأقول: قال في «زاد المعاد» : «هذه طريقة ضعفاء الظاهرية من أرباب النّقل الذين إذا رأوا في القصة لفظة تخالف سياق بعض الرواة جعلوه مرّة أخرى فكلما اختلفت عليهم الرواة عدّدوا هم الوقائع والصواب الذي عليه أئمة النقل إن الإسراء كان مرّة واحدة بمكة بعد البعثة، ويا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه وقع مرارا كيف ساغ لهم أن يظنّوا أنه في كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين، ثم يتردّد بين ربّه وبين موسى حتى تصير خمسا، ثم يقول: «أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي» ، ثم يعيدها في المرة الثانية خمسين ثم يحطها عشرا عشرا؟.
قال الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه الله تعالى في تاريخه، بعد أن ذكر أنه لم يقع في سياق مالك بن صعصعة ذكر بيت المقدس:«وكان بعض الرواة يحذف بعض الخبر للعلم به، أو ينساه، أو يذكر ما هو الأهم عنده، أو ينشط تارة فيسوقه كلّه، وتارة يحدّث مخاطبه بما هو الأنفع له»«ومن جعل كل رواية خالفت الأخرى مرّة على حدة، فأثبت إسراءات متعددة فقد أبعد وأغرب وهرب إلى غير مهرب ولم يحصل على مطلب» ، «وذلك أن كل السياقات فيها تعريفه بالأنبياء، وفي كلها تفرض عليه الصلوات، فكيف يدّعى تعدد ذلك؟ هذا في غاية البعد» ، «ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف ولو تعدّد هذا التعدد لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم به أمّته ولنقله الناس على التكرار» . انتهى.
وقال الحافظ في الفتح نحوه وزاد:«ويلزم أيضا وقوع التعدد في سؤاله صلّى الله عليه وسلم عن كل نبي وسؤال أهل كل باب: هل بعث إليه؟ وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك، فإن تعدد مثل ذلك في القصة لا يتّجه، فيتعيّن ردّ بعض الروايات المختلفة إلى بعض أو الترجيح إلا أنه لا يعدّ وقوع مثل ذلك في المنام توطئة ثم وقوعه يقظة» . انتهى ملخّصا.
إذا علم ما تقرر فأقول: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم عند البيت في الحجر، إذ أتاه جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر، فقال أوّلهم: أيّهم؟ فقال أوسطهم هو خيرهم. فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى ليلة أخرى. فقال الأول: هو هو. فقال الأوسط: نعم، وقال الآخر: خذوا سيّد القوم