للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأصحابه. فلما رأى ذلك أصحابه جعلوا يقولون: يا بني عامر، الرحيل الرحيل، لا مقام لكم.

وإذا الريح في عسكر المشركين ما تجاوز عسكرهم شبرا، فو الله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم، وفرشهم والريح تضرب بها، فلما دنا الصبح نادوا: أين قريش؟ أين رؤوس الناس؟

فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة. أين كنانة؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة، أين قيس؟ أين أحلاس الخيل؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة. فلما رأى ذلك أبو سفيان أمرهم بأن تحمّلوا فتحمّلوا، وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم حتى رأيت أبا سفيان وثب على جمل له معقول، فجعل يستحثّه ولا يستطيع أن يقوم، حتى حلّ بعد. ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتصف بي الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بعشرين فارسا أو نحو ذلك معتمّين، قالوا: - وفي لفظ: فارسين، فقالا-: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم بالجنود والرّيح، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلّي، فو الله ما عدا أن رجعت راجعني القرّ، وجعلت أقرقف، فأومأ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، [وهو يصلي] فدنوت منه، فسدل عليّ من فضل شملته- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ صلّى- فأخبرته خبر القوم، وأنّي تركتهم يرحلون.

فلم أزل نائما حتى جاء الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«قم يا نومان» .

وذكر ابن سعد إن عمرو بن العاص وخالد بن الوليد أقاما في مائتي فارس ساقة للعسكر، وردءا لهم مخافة الطلب.

[ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق بعد رحيل أعدائه وإخباره بأن قريشا لا تغزوه أبدا وأنه هو الذي يغزوهم]

روى الإمام أحمد والبخاريّ عن سليمان بن صرد والبزار برجال ثقات وأبو نعيم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، والبيهقي عن قتادة رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجلى الله تعالى عنه الأحزاب: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم» .

قال ابن إسحاق: فلم تعد قريش بعد ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم بعد ذلك حتى فتح مكة.

وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا إله إلا الله وحده، أعزّ جنده، ونصر عبده، وغلب- وفي لفظ: وهزم- الأحزاب وحده، فلا شيء بعده»

[ (١) ] .

قالوا: وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وليس بحضرته أحد من عساكر المشركين، قد هربوا وانقشعوا إلى بلادهم، فأذن للمسلمين في الانصراف إلى منازلهم، فخرجوا مبادرين


[ (١) ] أخرجه البخاري ٥/ ١٤٢ ومسلم في كتاب الذكر (٧٧) والترمذي (٣٤٢٨) وأحمد في المسند ٢/ ٣٠٧.