للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكم أبٍ قد علا بابن له شرف كما علا برسول الله عدنان فعلى ما بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين عدنان من عدد اختلف فيه ما بين مقل ومكثر، وعلم الحق في ذلك عند الله سبحانه، فقد

روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتهى في النسب إلى معد بن عدنان أمسك، وقال كذب النسابون واستدل لذلك بقول سبحانه: وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً.

فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار كما

قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا»

ودونك عمه أبا طالب يفاخر بنسبه فيقول:

إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرها وصميمها

وإن حصلت أنساب عبد منافها ... ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوما فإن محمدا ... هو المصطفى من سرها وكريمها

ومؤلف هذا الكتاب يجمع ما تناثر في كتب السيرة والسنة من حيث نسبه الشريف، وينظم هذه اللآلئ بيد صناع. يخرج أسانيدها، ويفصل ويشرح غريبها، ويتعقب ضعيفها، ويقدح من منكسرها وموضوعها، فيريك بدائع من الزهر ويجنيك الحلو اليانع من الثمر.

[فيما يتصل بمولده الشريف]

وقد قدمت إرهاصات لمولده الشريف، أفزعت كسرى وقيصر واهتز لمقدمه الوجود.

فقد رووا- رحمهم الله- أنه «لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم. فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك فتصبر عليه تشجّعاً، ثم رأى إنه لا يدّخر ذلك عن مرازبته، فجمعهم، ولبس تاجه وجلس على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده، قال:

أتدرون فيما بعثت إليكم؟ قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك، فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب خمود النيران فازداد غمّاً إلى غمه، ثم أخبرهم بما رأى وما هاله فقال الموبذان: وأنا- أصلح الله الملك- قد رأيت في هذه الليلة رؤيا، ثم قص عليه رؤياه في الإبل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال: حدثٌ يكون في ناحية العرب- وكان أعلمهم من أنفسهم- فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر، أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني، فلما ورد عليه، قال له: ألك علم بما أريد أن أسالك عنه؟ فقال: لتخبرني، أو ليسألني الملك عما أحب، فإن كان عندي منه علم، وإلا أخبرته بمن يعلم. فأخبره بالذي وجه به إليه فيه، قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>