للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقدّم الطلائع أمامه. فلما نزل المسلمون وادي القرى بعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين من المشركين فاقتتلوا وانكشف أصحاب سدوس وقد قتل، فشخص أخوه. ومضى المسلمون حتى نزلوا معان من أرض الشام. وبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليهم مائة ألف أخرى من لخم وجذام وقبائل قضاعة من بلقين وبهراء وبليّ عليهم ورجل من بليّ ثم أحد إراشة يقال له مالك بن رافلة.

فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بكثرة عدونا فإما أن يمدّنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له. فشجّع الناس عبد الله بن رواحة فقال: «يا قوم والله إن التي تكرهون للّتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوّة ولا كثرة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة وليست بشرّ المنزلتين» . فقال الناس: صدق والله ابن رواحة.

فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم دنا العدوّ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها. فتعبّأ لهم المسلمون. وروى أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن القرّاب في تاريخه عن برذع بن زيد قال: قدم علينا وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مؤتة وعليهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، وخرج معهم منا عشرة إلى مؤتة يقاتلون معهم. قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يأتوا فركبت القوم ضبابة فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة. وروى محمد بن عمر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «شهدت مؤتة فلما دنا العدوّ منا رأينا ما لا قبل لأحد به من العدد والعدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب فبرق بصري فقال لي ثابت بن أقرم: «يا أبا هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة» . قلت:

نعم. قال: إنك لم تشهد معنا بدرا، إنّا لم ننصر بالكثرة. قال ابن إسحاق: وتعبّأ المسلمون للمشركين، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عباية بن مالك-[قال ابن هشام] ويقال له عبادة بن مالك.

[ذكر التحام القتال]

قال ابن عقبة، وابن إسحاق، ومحمد بن عمر: ثم التقى الناس واقتتلوا قتالاً شديداً.

فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم. ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعرقبها ثم قاتل القوم حتى قتل فكان جعفر أول رجل من المسلمين عرقب فرسا له في سبيل الله.