للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو زكريا الفرّاء [ (١) ] : «كل ما كان على فعل يفعل كدخل يدخل، فالمفعل منه بالفتح اسما كان أو مصدرا، فلا يقع فيه الفرق مثل دخل مدخلا. ومن الأسماء ما ألزموها كسر العين منها: المسجد والمطلع والمغرب والمشرق وغيرها، فجعلوا الكسر علامة للاسم، وربما فتحه بعض العرب. وقد روى المسجد المسجد والمطلع المطلع» .

قال: «والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه» .

قال في الصحاح: «والمسجد بالفتح جبهة الرجل حيث يصيبه السجود.

وقال أبو حفص الصقلى- بفتحتين- في كتاب تثقيف اللسان «ويقال مسجد بفتح الميم، حكاه غير واحد، فتحصلنا فيه على ثلاث لغات» .

والمسجد بكسر الميم الخمرة بضم الخاء المعجمة وهي الحصير الصغير، قاله العسكري.

وأما عرفا فكل موضع من الأرض

لقوله صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» .

قلت وسيأتي الكلام على هذا الحديث في الخصائص.

ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتقّ اسم المكان منه، فقيل مسجد، ولم يقولوا مركع. ثم إن العرف خصّص المسجد بالمكان المهيّا للصلوات الخمس حتى يخرج المصلّى المجتمع فيه للأعياد ونحوها، فلا يعطى حكمه، وكذلك الرّبط والمدارس فإنها هيّئت لغير ذلك.

[التاسع: في الكلام على قوله: الحرام.]

أبو شامة: أصل الحرام المنع، ومنه البيت الحرام، وفلان حرام أي محرم وهو ضد الحلال، وذلك لما منع منه المحرم مما يجوز لغيره، ولما منع في الحرم مما يجوز في غيره من البلاد.

الماوردي رحمه الله في كتاب الجزية من حاويه: «كلّ موضع ذكر الله تعالى فيه المسجد الحرام فالمراد به الحرم، إلا في قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: ١٤٤] فإنه أراد به الكعبة.

الحافظ رحمه الله تعالى: «لفظ المسجد الحرام في الأصل حقيقة الكعبة فقط، وهو


[ (١) ] يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، مولى بني أسد (أو بني منقر) أبو زكرياء، المعروف بالفراء: إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. كان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو. من كتبه «المقصور والممدود» ، و «المذكر والمؤنث» ، وكتاب «اللغات» . واشتهر بالفراء. ولما مات وجد «كتاب سيبويه» تحت رأسه فقيل: إنه كان يشيع خطأه ويتعمد مخالفته. توفي سنة ٢٠٧ هـ. انظر الأعلام ٨/ ١٤٥، ١٤٦. ووفيات الأعيان ٢/ ٢٨٨، وغاية النهاية ٢/ ٣٧١.