للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنقك، فقال: يا أبا محمد إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه.

قال: فجيء بالأسرى وعليهم شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم.

[ذكر اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الفيء]

روى سعيد بن منصور والإمام أحمد وابن المنذر وابن حبان والحاكم والبيهقي في السنن عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدوّ فانطلقت طائفة في آثارهم يأسرون ويقتلون، وأكبّت طائفة على الفيء يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن يصيب العدوّ غرّة، حتى إذا كان الليل وافي الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدوّ: لستم بأحقّ بها منا، نحن نفينا عنها العدوّ وهزمناهم. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: لستم بأحق بها منّا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدوّ منه غرّة، فاشتغلنا به. فنزلت: يَسْئَلُونَكَ يا محمد عَنِ الْأَنْفالِ: الغنائم، لمن هي؟ قُلِ لهم: الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ يجعلانها حيث شاءا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أي حقيقة ما بينكم بالمودّة وترك النزاع وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال ١] حقّا [ (١) ] .

وروى ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن حبان وعبد الرزاق في المصنّف، وعبد بن حميد، وابن عائذ، وابن مردويه، وابن عساكر، عن ابن عساكر، ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله كذا وكذا، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا» . ولفظ ابن عائذ: «من قتل قتيلا فله سلبه. ومن أسر أسيرا فله سلبه» .

فأمّا المشيخة فثبتوا تحت الرّايات. وأما الشّبّان فسارعوا إلى القتل والغنائم، فقال المشيخة للشبان: أشركونا معكم، فإنّا كنّا لكم رداء ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا. فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أبو اليسر بأسيرين فقال: يا رسول الله، إنك قد وعدتنا، فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله إنك إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء، وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الآخرة، ولا جبن عن العدوّ، ولا ضنّ بالحياة، أن نصنع ما صنع إخواننا، وكلّنا رأيناك قد أفردت فكرهنا أن تكون بمضيعة، وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك أن يأتوك من ورائك. فتشاجروا فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الآية، فنزعه الله تعالى من أيديهم، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه صلى الله عليه وسلم بين المسلمين، كما سيأتي على بواء أي سواء، فكان ذلك تقوى لله تعالى وطاعته، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإصلاح ذات البين.


[ (١) ] أخرجه أبو داود (٢٧٣٨) والطبراني ١٢/ ١٢٩ وعبد الرزاق في المصنف (٩٤٨٣) وأبو نعيم في الحلية ٧/ ١٠٢.