الباب الثامن عشر في دخول بني هاشم وبني المطلب بني عبد مناف الشّعب وكتابة قريش الصحيفة الظالمة
قال أبو الأسود والزّهري وموسى بن عقبة وابن إسحاق: أن قريشا لما رأت أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم قد نزلوا بلدا. أصابوا فيه أمنا وقرارا، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، وأن عمر قد أسلم، وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره امتنع به أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وبحمزة حتى عازّوا قريشا فكان هو وحمزة مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وجعل الإسلام يفشو في القبائل. فأجمعوا رأيهم واتفق رأيهم على قتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقالوا:
قد أفسد علينا أبناءنا ونساءنا فقالوا لقومه: خذوا منّا دية مضاعفة وليقتله رجل من غير قريش ويريحنا وتريحون أنفسكم. فأبى قومه بنو هاشم من ذلك وظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف.
فلما عرفت قريش إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم قد منعه قومه فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشّعب وأجمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب على ألا ينكحوهم ولا ينكحوا إليهم ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، ولا يقبلوا منهم صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للقتل.
فلما اجتمعوا لذلك كتبوا صحيفة ثم تعاهدوا وتعاقدوا على ذلك.
والذي كتب الصحيفة: قال ابن إسحاق: منصور بن عكرمة. قال ابن هشام: ويقال النضر بن الحارث. فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فشلّت بعض أصابعه. وقال غيره: بغيض بن عامر. فشلّت يده. وقال غيره: هشام بن عمرو بن الحارث العامري وأسلم بعد ذلك.
ويجمع بين هذه الأقوال باحتمال أن يكون كتب بها نسخ.
ثم علّقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم وقطعوا عنهم الأسواق ولم يتركوا طعاما ولا إداما ولا بيعا إلا بادروا إليه واشتروه دونهم.
فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو المطّلب إلى أبي طالب فدخلوا معه في شعبه مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن دينا والكافر حميّة.
وخرج من بني هاشم أبو لهب إلى قريش فظاهرهم ولقي هند بنت عتبة بن ربيعة حين فارق قومه وظاهر عليهم قريشا فقال: يا بنت عتبة هل نصرت اللات والعزّى وفارقت من فارقها وظاهر عليها؟ قالت: نعم جزاك اللَّه خيرا يا أبا عتبة.
وروى البلاذري عن ابن عباس قال: حصرنا في الشّعب ثلاث سنين وقطعوا عنا الميرة حتى إن الرجل ليخرج بالنفقة فما يبايع حتى يرجع، حتى هلك من هلك.