فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ما قال له جلاس. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم:«لقد كذب عليّ عمير وما قلت ما قال عمير. فقال عمير: «بل والله قلته فتب إلى الله تعالى، ولولا أن ينزل قرآن فيجعلني معك ما قلته» . فجاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكتوا لا يتحرك أحد. وكذلك كانوا يفعلون لا يتحركون إذا نزل الوحي، فرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [التوبة ٧٤] فقال [جلاس] : «قد قلته وقد عرض الله عليّ التوبة فأنا أتوب» . فقبل ذلك منه، وكان همّ أن يلحق بالمشركين. [وقال ابن سيرين لما نزلت هذه الآية:
أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير وقال] : «يا غلام وفت أذنك وصدّقك- ربّك» .
[تنبيهات]
الأول: ذكر في سبب نزول هذه الآية شيء آخر: وهو قول عبد الله بن أبيّ في غزوة المر يسيع: «والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك. والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ» . فسعى بها زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأرسل خلف ابن أبيّ فحلف بالله ما قاله، فانزل الله تعالى الآية. رواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة. وسيأتي بيان ذلك في غزوة المريسيع إن شاء الله تعالى.
الثاني: روى محمد بن عمر عن عبد الحميد بن جعفر، أن الجلاس تاب وحسنت توبته، ولم ينزع عن خير كان يصنعه إلى عمير، وكان ذلك مما عرفت به توبته.
ومن المنافقين: نبتل- بنون مفتوحة فموحدة ساكنة ففوقية مفتوحة فلام- ابن الحارث، وكان رجلا جسيما، أدلم، ثائر شعر الرأس أحمر العينين، أسفع الخدّين، وهو الذي
قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث» .
وروى ابن إسحاق عن بعض بني العجلان أنه حدّث أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:«إنه يجلس إليك رجل أدلم ثائر شعر الرأس أسفع الخدّين أحمر العينين كأنهما قدران من صفر، كبده أغلظ من كبد الحمار، ينقل حديثك إلى المنافقين فأحذره» . وكانت تلك صفة نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلس إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين. وهو الذي قال لهم:«إنما محمد أذن، من حدّثه بشيء صدّقه» . فانزل الله تعالى: