قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تحل الصدقة لغنيّ ولا لذي مرّة سويّ» . رواه الإمام أحمد.
الثاني: ذو كمال في العقل وفي الدين جميعا. الثالث: ذو منظر وهيبة عظيمة. الرابع: ذو خلق حسن» . قلت زاد الماوردي خامسا: ذو غناء.
قلت: ولا تنافي بين هذه الأقوال، فإنه صلى الله عليه وسلم متصف بها. فإن قيل: على قولنا ذو مرّة، قد تقدم بيان كونه شديد القوى، فكيف تقول قواه شديدة وله قوة؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن ذلك لا يحسن إذا كان وصفا بعد وصف، وأما إذا جاء بدلا فيجوز، كأنه قال:
علّمه ذو قوة، ونزل شديد القوى فليس وصفا له وتقديره ذو قوة عظيمة أو كاملة. الثاني: أن إفراد «مرّة» بالذكر ربما تكون لبيان أن قواه المشهورة شديدة وله قوة أخرى خصه الله تعالى بها.
على أنّا نقول المراد ذو شدة وهي غير القوة، وتقديره علّمه من قواه الشديدة، وفي ذاته أيضا شدّة، فإن الإنسان ربما يكون كثير القوة صغير الجثّة. وفيه لطيفة وهي أنه تعالى أراد بقوله: شَدِيدُ الْقُوى، أي قوة العلم، وبقوله: ذُو مِرَّةٍ، أي شدة في الجسم، قدّم العلميّة على الجسميّة، كما قال تعالى: وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة: ٢٤٧] ، وتقدم الكلام على «ذو» في اسمه صلّى الله عليه وسلم: ذو الوسيلة فراجعه.
الحادي عشر: في الكلام على قوله تعالى: فَاسْتَوى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى:[النجم: ٦- ٧] .
اللباب:«قال مكي: استوى يقع للواحد وأكثر ما يقع من إثنين ولذلك جعل الفرّاء الضمير لاثنين» .
الماوردي والقرطبي:«فاستوى» يعني جبريل أي ارتفع وعلا إلى مكانه في المساء، بعد أن علم محمدا صلى الله عليه وسلم، قاله ابن المسيب وابن جبير. وقال الإمام:«إنه المشهور» ، وقيل «فاستوى» أي ظهر في صورته التي خلقه الله تعالى عليها، لأنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي إلى الأنبياء، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه التي خلقه الله عليها، فأراه نفسه مرتين: مرة في الأرض ومرّة في السماء، فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بحراء، فطلع له جبريل من المشرق، فسدّ الأرض إلى المغرب، فخرّ النبي صلى الله عليه وسلم مغشيّا عليه، فنزل إليه في صورة الآدميين وضمّه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه،
فلما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا جبريل ما ظننت أن الله تعالى خلق أحدا على مثل هذه الصورة» . فقال: يا محمد، إنما نشرت جناحين من أجنحتي وأن لي ستمائة جناح سعة كل جناح ما بين المشرق والمغرب. فقال:«إن هذا العظيم» .
فقال له: وما أنا في جنب ما خلقه الله إلا يسيرا، ولقد خلق الله تعالى إسرافيل له ستمائة جناح، كل جناح قدر أجنحتي، وإنه